عززت زيارة قائد الجيش لباريس الاعتقاد بتنامي حظوظ انتخابه رئيساً. يحظى الرجل، كما يشاع، بتأييد «الخماسية»، او معظمها على الاقل، دونما ان تجهر بذلك. لكن احداً في الداخل لم يرشحه او يتحمّس لقيادة حملته. كما أن الفريق الاكثر تأثيراً لم يقل إنه مهتم بترشحه او معني بانتخابه.
عندما يُسأل حزب الله عن رأيه في قائد الجيش العماد جوزف عون مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية، تكون العبارة الواجبة ان لا مرشح لديه سوى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. لا يقول في اي وقت ان الأخير مرشحه «في الوقت الحاضر»، بل مرشحه الوحيد فحسب، كي يضيف ان لا موقف له من اي مرشح آخر اياً يكن لأن «عنده مرشحه». يُجمل الموقف هذا الثنائي الشيعي لا الحزب فقط. اذا اراد حزب الله ايضاً الاسهاب في شرح دوافع اختياره فرنجية وتمسكه به، فهي شتى: اوشك ان يُنتخب عام 2015. مرشح دائم للرئاسة منذ عام 2004. موعود بالتأييد والوقوف الى جانبه مذ انتخب الرئيس السابق ميشال عون قبل ثماني سنوات. الاهم في دوافع ترشيحه ودعمه، ان حزب الله يعرفه تماماً، وهو حليف موثوق به لديه. اما المهم في الاهم، فالرجل «مجرَّب في الماضي والحاضر». ذلك ما يختصر، في نهاية المطاف، اصرار الثنائي الشيعي على رئيس تيار المردة على انه مرشحه الوحيد، سواء طال الوقت او قصُر. وذلك ايضاً محور الحوار الذي يدعو الفريق الآخر اليه من حول انتخاب فرنجية بالذات، لا سواه، والضمانات التي يقدمها لمعارضيه في الاحزاب المسيحية، وأولهم التيار الوطني الحر، كي ينضموا الى تأييده.
الشق الآخر في وجهة النظر هذه، اعتقاد حزب الله بأن رفض ترشيح فرنجية – وله كسائر الافرقاء ان يكون له مرشح – لا يعني سوى وصول رئيس مناوئ له هو بالذات، ضد مقاومته وضد سلاحه. ذلك ما سيجعله يمنع انتخاب رئيس كهذا اياً يطل عمر الشغور.
عندما يُعاد طرح السؤال على حزب الله عن قائد الجيش وفرص انتخابه رئيساً للجمهورية بدعم منه، ثمة اجوبة ثلاثة:
اولها، ان ليس عند حزب الله مرشح آخر يركن اليه باطمئنان ولا يخذله على غرار تجربته مع الرئيس السابق ميشال سليمان، يشكل ضماناً للمقاومة. بذلك لا ينظر الى ترشيح فرنجية على انه خيار اول، بل الخيار الوحيد. لا يقرنه بعامل زمني، ولن يُقدم يوماً على الطلب منه التخلي عن ترشيحه. لم يطلب منه ان يفعل في تشرين الثاني 2015 عندما ابرم رئيس المردة في باريس اتفاقاً مع الرئيس سعد الحريري كاد ان يوصله الى رئاسة الجمهورية بغالبية مرجحة، بل أوعز اليه الاجتماع بالرئيس ميشال عون والتفاهم معه في ظل الوعد المقطوع لرئيس تكتل التغيير والاصلاح آنذاك بتأييد انتخابه رئيساً للجمهورية.
ثانيها، ان حزب الله يفصل بين عون قائداً للجيش وعون مرشحاً محتملاً للرئاسة. اول ما يقوله عنه قائداً للجيش ان علاقات وطيدة تجمعه به لم تنقطع مرة رغم مرورها بمحطات صعود وهبوط. مرتاح الى الدور «الممتاز» الذي يضطلع به الجيش في الجنوب الى جانب المقاومة في حرب الإشغال ضد اسرائيل، بفضل الاوامر التي يصدرها اليه قائده. لا ينسى ان يُذكّر بتأييده ايضاً استمرار القائد في منصبه في اليرزة سنة اضافية، وأنه ساهم مع حلفائه في توفير نصاب انعقاد جلسة البرلمان في 15 كانون الاول 2023 للتمديد له بقانون، ما تسبّب بشرخ اضافي في علاقة الحزب بالتيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل. اضف إلى ذلك العلاقات الدورية شبه اليومية التي تجمع صهره العميد المتقاعد اندره رحال برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. تلك الفضائل لا تحجب في حسبان حزب الله بضع تجارب مخيّبة في العلاقة مع عون، ليس اولها حادثة الطيونة، ولا آخرها حادثة الكحالة.
الاكثر وقعْاً لدى حزب الله ما حدث ابان احداث 17 تشرين الاول 2019 عندما قطع مسلحون طريق الجنوب عند خلدة. تدخّل لدى القائد وطلب منه فتح طريق «ليست طريق الشيعة والجنوب فحسب بل طريق المقاومة». جوابه حينذاك، وفق ما يُروى، ان من الصعب عليه فتح الطريق بالقوة. هدّد الحزب بفتحها بالقوة وحاذر ان يفعل في الوقت نفسه خشية التسبب بفتنة مذهبية بعدما تأكد ان قاطعي الطريق سنّة، بايعاز من الفريق المناوئ له. اشتكى الى رئيس الجمهورية وطلب منه الضغط على قائد الجيش الذي رفض مجدداً طلب الرئيس بذريعة احتمال تعرّضه الى «عقوبات اميركية ودولية». ما لا ينكره الحزب ان عون لم يكن مرشحه لمنصب قائد الجيش عام 2017 لكنه قَبِلَ به على مضض بعد اصرار رئيس الجمهورية عليه.
ما لا يقوله الحزب ويترك لمحدّثه استنتاجه: «اذا كان على القائد ان يخشى من عقوبات اميركية ودولية حينذاك في مرحلة الانقلاب على الدولة، ما عساه ان يفعل كرئيس اذا وجد نفسه في مشكلة مماثلة طرفها الآخر هذه المرة المقاومة؟».
ثالثها، يبدي الحزب اهتماماً بحصر علاقته بعون بصفته قائداً للجيش، ويحرص في الوقت نفسه على التعاون معه. انضمامه الى المؤيدين للتمديد له سبقته محاولة معاكسة اسفرت عن توافق بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر على تعيين قائد جديد للجيش قبل ان يتخذ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اولاً، ثم الاميركيون، موقفاً معارضاً أطاح التعيين ما حتّم الذهاب الى خيار التمديد سنة واحدة.