إذا كان اليوم التالي للحرب في غزة، هو بداية ورشة ترتيب وضع القطاع بعيداً عن سيطرة حركة “حماس” التي تريد اسرائيل أن تقصيها بشكل اقتلاعي، بما يعني ذلك من احتمال دخول عربي ودخول أممي على صياغة ترتيبات ستشكل مادة للخلاف منذ الآن، بين اسرائيل وأميركا، أو إذا كان ذلك سيتم عبر إعادة إحياء السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة، كي تستلم المسؤولية الأمنية والسياسية للقطاع… فإنّ اليوم التالي لحرب غزة في نتائجه اللبنانية، ستفتح مرحلة جديدة لم يشهدها لبنان منذ العام 2006 وإلى اليوم.
تنفيذ القرار 1701، سيكون هو العنوان الأول والأخير، وسوف يجري ذلك، على وقع استحالتين: الأولى تتمثل بإصرار اسرائيلي على سحب “حزب الله” لقواته إلى شمالي نهر الليطاني، وفقاً للقرار الدولي، والواضح أنّ هذا المطلب الاسرائيلي لا عودة عنه بما سيؤدي إلى التنفيذ سلماً أو حرباً. أمّا الاستحالة الثانية فقد باتت معروفة أيضاً، وهي تتمثل بالرفض القاطع للحزب تنفيذ هذا القرار، مع كل ما يعنيه من فقدانه لهذه الورقة، التي هي أساس لسرديته المقاومة والممانعة ووحدة الساحات.
في الجنوب يمكن القول وللمرة الأولى، إنّ وتيرة الاشتباك المضبوط بخطوط حمر، الذي ابتدأ في 8 أكتوبر الماضي، بدأ يتوسع بشكل غير قابل للعودة إلى الوراء. فالعمليات التي ينفّذها “حزب الله” ازدادت وتيرتها اليومية، والردود الإسرائيلية بدأت تتجاوز للمرة الأولى حدود المنطقة الضيقة، التي كانت مسرحاً للأعمال العسكرية، وآخر الأمثلة، الغارات التي طالت جبل الريحان، وهي تؤشر إلى أن إسرائيل بدأت تنتقل إلى المرحلة الثانية، التي تفترض وضع “حزب الله” أمام خياري السلم أو الحرب، مع الاشارة إلى أنّ الثاني يمكن أن يشبه سيناريو غزة جديدة في لبنان، ويفتح الباب أمام هول الدمار وصور الحرب المرعبة التي عاشها القطاع منذ أكثر من 65 يوماً وإلى اليوم.
ماذا سيكون موقف “الحزب”، أمام هذين الاحتمالين؟ يراهن الكثير من المراقبين على أنّ إيران سوف تسلك طريق البراغماتية كعادتها، بحيث ستقوم بصياغة تفاهمات تحت الطاولة مع الولايات المتحدة الأميركية، تكون استكمالاً للتفاهم الذي حصل في 7 أكتوبر، والذي أدى إلى امتناعها عن الاشتراك في الحرب.
تشكل بروفة التفاهمات الإيرانية- الأميركية، دليلاً على أنّ كل شيء بات ممكناً في العلاقة الأميركية- الإيرانية، وهذا إن حصل سوف ينتج ارتداداً لقوة “حزب الله”، إلى الداخل اللبناني تماماً في تكرار لمرحلة ما بعد حرب العام 2006، ولن يكون مستبعداً حصول “الحزب” على جوائز ترضية أميركية ليس أقلها وضوحاً، الاستمرار في السيطرة والامساك بمفاصل السلطة اللبنانية، بدءاً من رئاسة الجمهورية، إلى تشكيل الحكومة، وإعادة شرعنة منظومة حكمه لفترة قد تطول.