إنّها الزّيارة الأولى للبنان التي تقوم بها مُساعدة وزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى باربرا ليف منذ تولّيها منصبها رسمياً في نهاية أيّار 2022 خلفاً لديفيد شينكر.
زيارةٌ قُدّرَ لها أن تكون بعد الاتفاق السّعوديّ – الإيرانيّ. لكنّ ترابط الوقت لا يعني أنّ واشنطن دخلت على خطّ تعطيل الاتفاق من البوّابة اللبنانيّة. فالزّيارة كانت مُدرجة على أجندة باربرا ليف قبل الاتفاق بأسابيع. وهذا يدحض كلّ التكهّنات التي تحدّثت عن ترابط الاتفاق مع وصولها إلى بيروت.
حمَلَت أجندة السّفيرة ليف 4 أولويّاتٍ أميركيّة في لبنان: الرّئاسة، والاتفاق مع صندوق النّقد الدّوليّ، واتفاق الرّبط الكهربائيّ مع الأردن، وبطبيعة الحال أمن الحدود الجنوبيّة بين لبنان وإسرائيل. ناقشَت مُساعدة وزير الخارجيّة الأميركيّ هذه الملفّات في لقاءاتها الرّسميّة في لبنان التي كانَ أهمُّها سياسيّاً لقاءها مع رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي.
يقول مصدر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ ليف شدّدَت على أنّ لبنان لن ينال أيّ استثمارات أو مُساعداتٍ جديّة في حال لم يُوقّع الاتفاق مع صندوق النّقد الدّوليّ
تحذير: أنتم ذاهبون نحو الأسوأ
يقول مصدر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ ليف شدّدَت على أنّ لبنان لن ينال أيّ استثمارات أو مُساعداتٍ جديّة في حال لم يُوقّع الاتفاق مع صندوق النّقد الدّوليّ. وحذّرَت أنّه في حال لم يُسرِع لبنان في إنجاز الاتفاق، فإنّ البلاد ذاهبة نحو “وضعٍ سيّئ للغاية على جميع الصُّعد.. فالأسوأ لم يأتِ بعد، وهذه فرصتكم الأخيرة. الانهيار الكامل قادم قبل نهاية السنة”.
تعتبر إدارة الرّئيس جو بايدن أنّ ختمَ صندوق النّقد الدّوليّ هو “الأهمّ” للبنان، لا المليارات الـ3 التي قد يحصل عليها في حال أنجزَ الاتفاق مع الـIMF. إذ إنّه المدخل الرّئيس لأيّ استثمارٍ أجنبيّ أو تدفّق لرؤوس الأموال إلى البلاد التي ترزح تحت ضغط أزمة ماليّة واقتصاديّة غير مسبوقة.
قبلَ زيارة ليف، كانَ وفد صندوق النّقد الدّوليّ يجول في لبنان حاملاً التّحذير عينه. وكانَت لافتةً التّظاهرات المطلبيّة في مُحيط السّراي الحكوميّ، التي شهِدَت اشتباكاتٍ بين المُتقاعدين العسكريين ووحداتٍ من الجيش والقوى الأمنيّة.
لا يُمكِن فصل ما شهده لبنان خلال الأيّام القليلة من زيارة ليف من ارتفاعٍ قياسيٍّ في سعر صرف الدّولار ومن تّظاهرات عمّا قالته في تشرين الثّاني الماضي في لقاءٍ مع معهد ويلسون: أرى أنّ لبنان مفتوح أمام كلّ السيناريوهات، والتفكّك هو الأسوأ بينها.
قالت أيضاً إنّ هُناك طروحات تقول إنّ انهيار لبنان سيمكِّن بطريقة ما من إعادة بنائه من تحت الرّماد، وتحريره من اللعنة التي يُمثّلها حزب الله له، لكنّ شعب لبنان، وجيرانه الأردن وإسرائيل والشعب السوري، سيتحمّلون العبء الأكبر لانهيار الدولة.
من يعرف السّياسة الأميركيّة تجاه لبنان، يُدرك أنّ ملفّ صندوق النّقد هو التّالي بعد إنجاز ملفّ ترسيم الحدود الجنوبيّة. ويشير المصدر نفسه لـ”أساس” إلى أنّ إدارة بايدن ماضية في الضّغط على حزبِ الله حتّى يجدَ الاتفاق مع الصّندوق طريقه الصّحيحة.
لم يغِب عن جدول أعمالها أيضاً مشروع “اتفاق الطّاقة الإقليميّ”، إذ أبلغت المسؤولين اللبنانيين أنّ “الكُرة في ملعبهم” وعليهم أن يعيّنوا الهيئة النّاظمة لكهرباء لبنان لنيل قرض البنك الدّوليّ لتمويل الكهرباء من الأردن، إذ إنّ المشروع اكتمل ولا ينقصه سوى التشغيل لتزويد لبنان بـ4 ساعات إضافيّة من الكهرباء.
حمَلَت أجندة السّفيرة ليف 4 أولويّاتٍ أميركيّة في لبنان: الرّئاسة، والاتفاق مع صندوق النّقد الدّوليّ، واتفاق الرّبط الكهربائيّ مع الأردن، وبطبيعة الحال أمن الحدود الجنوبيّة بين لبنان وإسرائيل
الرّئاسة: نتكامل مع السّعوديّة
تُتابع السّفيرة ليف كلّ تفاصيل الملفّ اللبنانيّ الذي تُناقشه بصفتها ممثّلة لبلادها على ما بات يُعرف بالطّاولة الخُماسيّة في باريس التي تضمّ إلى جانب أميركا السّعوديّة وفرنسا ومصر وقطر.
يُعتبر ملفّ الرّئاسة الشّغل الشّاغل لطاولة باريس التي كانت ليف تتماهى فيها مع كلّ المواقف السّعوديّة، خصوصاً ما يتعلّق بالإصلاحات قبل تقديم أيّ مُساعدة للبنان، وكذلك المواصفات والمعايير التي طرحتها المملكة العربيّة السّعوديّة بشأن الملفّ الرّئاسيّ.
سمِعَت ليف من الرّئيس برّي رؤيته لملفّ الرّئاسة، لكنّها أكّدت أنّ بلادها لا تستطيع “أن تمون” على السّعوديّة لانتخاب سليْمان فرنجيّة أو غيره رئيساً للجمهوريّة. كما قالت إنّ هذا الملفّ شأنٌ لبنانيّ، وعلى اللبنانيين إنجازه بأسرع وقتٍ ممكن. “لن ندخل في لعبة الأسماء. سنترك لكم القرار وعليكم اتخاذه في أقرب وقت”. وأكدت ليف لبري أنهم اطلعوا مسبقاً على الاتفاق الإيراني – السعودي وأنهم مرتاحين لنتائجه وهم أبلغوا السعوديين بذلك.
اللافت للنظر أنّ الدبلوماسية الأميركية لم تأت على ذكر حزب الله بحدّة أمام المسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم، بل عرضت وجهة نظر إدارتها بهدوء غير معتاد عند من سبقها من المسؤولين الأميركيين الذين زاروا لبنان.
بايدن يرفض لقاء نتنياهو..
ناقشَت الموفدة الأميركيّة في لبنان الأوضاع على الحدود الجنوبيّة، وسألت عن مدى جدّيّة تهديدات الأمين العام لحزب الله الأخيرة والتّوتّر مع إسرائيل. لكنّها في الوقت عينه نقلَت أنّ إدارتها تُريد أن تبقى الحدود هادئة، وهو كلام يبدو أنّه يتضمّن رسالة أميركيّة تتنصّل من تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو.
كما أنّ الإدارة الأميركيّة تتوجّس من إمكانيّة انفلات الأمور على الحدود بين لبنان والأراضي المُحتلّة في حال قرّرَ رئيس الوزراء الإسرائيليّ الهروب من أزمته الدّاخليّة إلى مواجهة مع حزب الله.
يُعزّز هذه الشّكوك ما كشفه المصدر لـ”أساس” من أنّ نتانياهو طلبَ الأسبوع الماضي موعداً لزيارة الرّئيس الأميركيّ في البيت الأبيض، إلّا أنّ الجواب كان: “يعتقد الرّئيس بايدن أنّ الوقت ليسَ مُناسباً للّقاء”. على إثرِ هذا الرّفض عمّمَ نتانياهو على وزرائه الامتناع عن زيارة واشنطن إلّا بتكليفٍ مُباشرٍ منه.
يكمن سرّ القلق الأميركي من اندلاع مواجهة في الجنوب في أن يُقدِمَ حزب الله على تهديد أمن الطّاقة عبر استهداف منصّة كاريش، في وقتٍ لا تريد الإدارة الأميركيّة أيّ نزاع قد يتسبّب بارتفاع أسعار النّفط أو حتّى يهدّد أمن الملاحة البحريّة، خصوصاً أنّ كاريش بدأ بتصدير النّفط والغاز الطّبيعيّ إلى القارّة الأوروبيّة.
يسود اعتقادٌ في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ أنّ شهرَ رمضان لن يكونَ سهلاً على رئيس الوزراء الإسرائيليّ. ينتظر نتانياهو تظاهرات عارمة من مُعارضيه اليساريين في الأيّام المُقبلة، كما أنّ الضّفّة الغربيّة قد تكون مسرح عمليّاتٍ لحركتَيْ الجهاد وحماس المواليتَيْن لإيران تحت عنوان “عرين الأسود”. وهذا قد يدفع زعيم الليكود إلى توسيع المواجهة خشية الانهيار الدّاخليّ وارتفاع أسهم عودته إلى خارج السّلطة.
هي زيارة في توقيت داخليّ وإقليميّ مُعقّد تكثر عقده من بيروت إلى تل أبيب، فيما الإدارة الأميركيّة منشغلة في الملفّ الأوكرانيّ، ولبنان غائب عن سلّم أولويّاتها.