فرضت تطورات الوضع الإقليمي نفسها على المشهد الداخلي، وهو ما أسهم في “تطوير” عمل المبعوثين الدوليين إلى لبنان ومهامهم، لا سيما المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، والمبعوث الفرنسي جان ايف لودريان. فهوكشتاين الذي كان يتحدث في ملفات الغاز والترسيمين البري والبحري، جاء في زيارته الاخيرة كمبعوث سياسي يشدد على ضرورة تجنب التصعيد وتكريس التهدئة على الحدود وتطبيق القرار 1701، كما أنه شدد على ضرورة انجاز الإنتخابات الرئاسية.
اخفاقات فرنسا: من لبنان إلى غزّة
في السياق نفسه، تأتي زيارة لودريان إلى بيروت والتي تحمل عنوانين أساسيين، الاول هو متابعة مساعيه في إقناع اللبنانيين بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وإنجاز التسوية السياسية المطلوبة بدون أن يكون حاملاً أي فكرة جديدة أو مقترح عملاني. والثاني هو تشديده على ضرورة تطبيق القرار 1701 والحفاظ على الهدوء في الجنوب، كاستكمال لزيارة وزيري الخارجية والدفاع الفرنسيين قبل فترة.
تحل زيارة لودريان في ظل تمديد الهدنة في غزة، ومساع عربية ودولية لتمديدها أكثر. هنا تجد باريس نفسها مضطرة لأن تكون حاضرة على الساحة اللبنانية، بعد إخفاقات كثيرة في لبنان كما في غيره، وقد تجلى الإخفاق في شبه عزلة اختبرتها فرنسا بعد مواقف رئيسها إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى اسرائيل متضامناً ومصنفاً حركة حماس كتنظيم داعش الإرهابي وداعياً الى ضرورة تشكيل تحالف لمواجهتها. أسهمت مواقف ماكرون ببروز تداعيات سياسية سلبية على الموقف الفرنسي والنظرة تجاهه. فيما هذه النظرة كان لبنان سباقاً إليها بنتيجة المواقف الفرنسية التي تعثرت مراراً منذ العام 2020.
لا أفكار فرنسية جديدة
وتصدف زيارة لودريان أيضاً في أعقاب اتخاذ قرار في قصر الإيليزيه، بتعيين كبير مستشاري الرئيس الفرنسي باتريك دوريل سفيراً لبلاده في العراق، ما يعني خروجه من الخلية الأساسية والمقررة، وهذا بعد محاولة كف يده عن الملف اللبناني سابقاً إثر خلافات بينه وبين بعض ممثلي الدول العربية ضمن اللجنة الخماسية. كذلك بعض المؤشرات تفيد بأن رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه لم يعد يتعاطى بتفاصيل الملف اللبناني، ويبدو أن لودريان هو المعني المباشر بالتنسيق مع الرئيس والخارجية. ولكن هل يمكن لذلك أن ينعكس إيجابية على التحرك الفرنسي لبنانياً؟ لا احد يمتلك جواباً خصوصاً أن كل المعطيات تفيد بأن لودريان لا يحمل أي فكرة جديدة إنما سيكرر الدعوة إلى ضرورة الإتفاق بين اللبنانيين، دون امتلاك أي ورقة جدية لتحقيق ذلك. هنا أيضاً لا يمكن إغفال ردة الفعل السلبية على الموقف الفرنسي من الحرب على غزة لبنانياً وخصوصاً لدى حزب الله وحركة أمل.
موقف رعد: باب للتسوية او تَرفُع اللحظة؟
في خضم هذه التطورات، والتي لا يعول اللبنانيون على أي خروقات جديدة يمكن أن تحملها، يستمر الأفرقاء على الساحة الداخلية كل خلف متراسه. حزب الله يتمسك بترشيح سليمان فرنجية، فيما المعارضة على موقفها. ولكن ما كان لافتاً هو موقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في تأبين نجله عندما دعا اللبنانيين إلى الإستفادة من الظرف الحالي إذ دعا:” للإستفادة من استشهاد نجله للم الشمل الوطني”. موقف توقف عنده مراقبون بأنه قد يحمل في طياته إمكانية لدى حزب الله للبحث عن خيارات التسوية. وسط قناعة كثيرين بأن الحزب وفي ظل الظروف القائمة حالياً لا بد له أن يبحث عن تعزيز الحضن الوطني بتوافق سياسي شامل، وهذا سيفرض عليه تخلياً عن مرشحه. فيما آخرون يعارضون وجهة النظر هذه ويعتبرون أن الحزب سيتشدد أكثر في المرحلة المقبلة ويتمسك برئيس “لا يطعن المقاومة بالظهر”.
هل يتكرر سيناريو ابراهيم؟
ما يسري على الرئاسة، ينطبق أيضاً على التعاطي مع مسألة قيادة الجيش وهو الملف الذي تم تأجيله إلى الشهر المقبل، مع تلمس بعض القوى امكانية تكرار السيناريو نفسه الذي حصل مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وبالتالي تقاذف القوى السياسية كرة المسؤولية بدون الوصول إلى نتيجة إلا الذهاب إلى تعيين رئيس للأركان. وبذلك يعتبر البعض أنه نجح في منع تمديد “ترشيح جوزاف عون للرئاسة” والذهاب للبحث عن مرشح جديد، وفق ما أسماه الفرنسيون “المرشح الثالث” وهو التوصيف الذي تتقاطع حوله عواصم متعددة، تسعى إلى البحث عن الأثمان السياسية والعسكرية والحدودية.