مصير لبنان من مصير غزّة. أو أن الأزمات اللبنانية كلها مؤجلة إلى ما بعد وقف إطلاق نار في قطاع غزة. وهو لا يزال متعثراً حتى الآن.
تكونت قناعة دولية وديبلوماسية بأنه لا يمكن البحث في أي تسوية أو اتفاق في لبنان قبل التهدئة في غزة. ولذلك، فإن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين هو أكثر العارفين بمدى هذا الترابط. وسيعاود تحركه على الإيقاع الإسرائيلي-الفلسطيني. في المقابل، تتكون قناعة بانعدام قدرة اللبنانيين على الوصول إلى تفاهمات فيما بينهم لسد الفراغ الرئاسي. فلم يعد بالإمكان فصل مساره عن مسارات الجنوب وتطوراته. وهذا، على الرغم من تحرك سفراء الخماسية أو المبادرة التي تقوم بها كتلة الاعتدال. فالأخيرة، يبدو أنها تعثرت بعد تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه سيترأس الحوار. ما يعني تجويف المبادرة من مضمونها ورفضها من قوى المعارضة، التي لا تريد لبرّي أن يترأس الحوار باعتباره طرفاً لا حكماً.
الاستعداد لتوسع المواجهات
طالما أن الحرب في غزة مفتوحة، على وقع الإصرار الإسرائيلي على شن معركة رفح، فالمتوقع أن تتصاعد وتيرة العمليات في جنوب لبنان. خصوصاً أن قناعة قوى المقاومة تترسخ بأن الأميركيين يمنحون الإسرائيليين ضوءاً أصفر يميل إلى الأخضر لاستمرار المعركة العسكرية، بالتساوق مع العمل على إنشاء المرفأ العائم لإدخال المساعدات. وهذا يعني أن الحرب ستكون مستمرة وطويلة.
لبنان يتأهب لذلك وسط تنسيق بين قوى المحور في سبيل مواكبة العملية العسكرية بتصعيد وتيرة العمليات، إنما من دون تحولها إلى حرب. بدورهم، الإسرائيليون بصدد المزيد من الإجراءات والمناورات استعداداً لشن عملية عسكرية أوسع في لبنان. وهم يعلنون عن مثل هذه الإجراءات، على قاعدة أنه بعد الانتهاء من غزة لا بد من الانتقال إلى لبنان ومواجهة حزب الله.
السباق مع الحرب
هناك سيناريوهات كثيرة تحاك، بينها التركيز على توسيع العمليات الجوية، وبعضها الآخر يشير إلى إمكانية حصول عمليات تسلل أو اختراقات برية لمناطق معينة، إنطلاقاً من قناعة إسرائيلية أنه لا يمكن إنجاز تفاهم يكرس الاستقرار الدائم في جنوب لبنان، من دون ضربة عسكرية كبرى.
حزب الله يتحضر لكل السيناريوهات، ويتعاطى وكأن الحرب ستكون واقعة. ولذلك يتجهز عسكرياً على هذا الأساس، ليكون قد رصد وتنبه وتحضّر لكل الاحتمالات.
في الموازاة، تستمر المساعي الدولية لتجنب التصعيد في لبنان. وهو ما كان يعمل عليه الفرنسيون والأميركيون وغيرهم، فيما العنوان الأساسي واضح وهو وقف الحرب وتطبيق القرار 1701 من دون إدخال تعديلات عليه، ووقف الأنشطة العسكرية في الجنوب، وإدخال المزيد من التعزيزات للجيش اللبناني واليونيفيل.
دور قطري
في هذا السياق، هناك من يشير في لبنان إلى دور أساسي لدولة قطر. بل هناك رهان على قدرة قطر أن تقوم بهذا الدور إنطلاقاً مما تقوم به في قطاع غزة. وثانياً، استناداً إلى تجربتها السابقة في حرب تموز 2006 والمساعدة في عمليات إعادة الإعمار. كما أن أي تعزيز للجيش اللبناني سيكون مستنداً على الدور القطري.
في هذا السياق، هناك من يقرأ في كل التطورات -من الوضع في الجنوب إلى الوضع السياسي- ستقود إلى تعزيز المساعي القطرية، استناداً إلى العلاقة مع غالبية القوى السياسية في البلاد، وعلى المستويين الإقليمي والدولي. وهنا تتحدث مصادر لبنانية عن زيادة منسوب التنسيق والاتصال وربما الزيارات إلى الدوحة لمسؤولين لبنانيين.
لودريان والخماسية
يأتي ذلك في ظل اتصال هاتفي أجراه المبعوث الفرنسي، جان إيف لودريان، برئيس مجلس النواب نبيه برّي. وحسب المعلومات، فإن لودريان أراد التعرّف على الأجواء حول آخر التطورات في الجنوب وعلى المستوى السياسي، فأكد له برّي أنه لا يزال يعمل وفق مساعيه حول الدعوة للحوار. لكن لودريان أشار إلى أن زيارته مؤجلة حالياً، وهو ليس بصدد العودة إلى لبنان راهناً. بينما مصادر أخرى تفسر فحوى اتصال لودريان بأنه محاولة لتثبيت حضوره وإبداء رغبته بالعودة عندما يحين الوقت لذلك.
أمام هذه المعطيات تتضارب وجهات النظر اللبنانية، في تفسيراتها لكل ما يجري، بين من يعتبر أن عمل اللجنة الخماسية سيكون مترافقاً مع المساعي الخارجية لإرساء التهدئة في الجنوب، ومع المساعي الداخلية لعقد الحوار، وأن “الخماسية” (على الرغم من وجود بعض الاختلافات في وجهات النظر) مستمرة بعملها، بشكل لا يتعارض مع ما تقوم به الدول الأخرى، كل دولة على حدة، انطلاقاً من العلاقات الثنائية بين هذه الدولة وبين لبنان.
في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى تتشكل في الداخل، مفادها أن عمل اللجنة الخماسية سيكون متعثراً، وغير قادر على إنتاج الحلول في هذه المرحلة. خصوصاً في ظل ما يتم تسريبه من أجواء عن تضارب في التوجهات، وكان آخرها يتعلق بالأمور اللوجستية حول المواعيد والزيارات، وما تردد عن رفض السفير السعودي زيارة سليمان فرنجية في منزله، كما رفض السفيرة الأميركية زيارة جبران باسيل، بسبب العقوبات.