في ظل تفاقم المأزق الذي تعيشه إسرائيل أمنياً وعسكرياً من الشمال والجنوب، تواصل عمليات القتل الانتقامية، سواء في لبنان أو في قطاع غزة. تداعيات المأزق تقود إلى تفسيرات كثيرة. فإلى جانب النزعة الانتقامية، هناك أولاً سعي إسرائيلي الى اعتماد سياسة ترهيب المنطقة. وثانياً تدمير المجتمع الفلسطيني، وربما ثالثاً استدراج حزب الله إلى معركة كبرى تجبر الأميركيين على الانخراط فيها.
“حماس لاند”؟
لا يزال السؤال الأبرز يتعلق بما تفكر به إسرائيل، وإذا كانت ستشن حرباً (ولو محدودة النطاق) على لبنان. خصوصاً أنه لن يكون من مصلحة بنيامين نتنياهو وقف الحرب. فإلى جانب استهداف حزب الله وعناصر من فصائل فلسطينية أخرى، يتزايد استهداف المدنيين ومنازلهم، كما القتل المتكرر للإعلاميين.
يترافق هذا مع حملة دعائية مكثفة تقودها تل أبيب، للإشارة إلى أن عمليات المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان تعيد الذاكرة إلى العام 1969 وما بعده، وما سمي في حينها بـ”فتح لاند”، وأنها اليوم صارت “حماس لاند”، إلى جانب وجود حزب الله العسكري وتمركزه، وخصوصاً انتشار قوات الرضوان في كل المناطق الحدودية المتقدمة.
كانت اسرائيل قد هددت من قبل باستهداف مسؤولي حركة حماس الموجودين في لبنان. وصحيح أنها كانت تستهدف العناصر الذين يعملون على غطلاق الصواريخ أو يتسللون إلى الأراضي المحتلة، إلا أنها بالأمس انتقلت إلى مرحلة جديدة وهي استهداف نائب قائد كتائب القسام في لبنان خليل خراز في سيارة في الشعيتية. ويعني ذلك أن اسرائيل تنتقل إلى نموذج العمليات الأمنية وتنفيذ الاغتيالات بحق مسؤولي حماس “العسكريين”. علماً أن حزب الله وحماس كانا قد توعدا سابقاً بأن أي استهداف لأي من مسؤولي حماس او أي مسؤول فلسطيني على الساحة اللبنانية فإن الرد سيكون أعنف.
إلى 1701
تفتح هذه العمليات مرحلة جديدة، قد تبقى في نطاقها الأمني عبر تنفيذ اغتيالات، في مقابل رد الحزب على هكذا العمليات. كل ذلك وسط ضغوط إقليمية ودولية لمنع تمدد الصراع وتوسع الجبهة مع لبنان. وهو ما يبذل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين جهوداً سياسة في سبيله، كما بذل من قبله وزير الدفاع لويد أوستن جهوداً عسكرية لمنع اسرائيل من فتح حرب على الجبهة الشمالية.
وعلى ما يبدو، تسعى اسرائيل إلى تحقيق أي هدف أمني أو عسكري قبل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في جنوب لبنان. بينما الاهتمام الدولي يتركز على معادلة أساسية وهي البحث عن صيغة عملانية توقف العمليات العسكرية وتسهم في إعادة الاستقرار، خصوصاً في ظل مأزق إسرائيلي حقيقي مع سكان المستوطنات الشمالية، الذين يرفضون العودة في ظل وجود حزب الله وقوته.
في هذا السياق، تتزايد التحركات الدولية الباحثة عن إطار سياسي، بتوافق بين القوى الدولية الكبرى، للوصول إلى إرساء الاستقرار في الجنوب، على وقع الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
جزء من الأفكار المطروحة تتصل بالعمل على تطبيق القرار 1701 تحت الفصل السابع، لكنها صيغة ساقطة سلفاً وحزب الله يعتبرها إعلان حرب. فالأخير يعتبر أنه بعد حرب تموز في العام 2006 ونشر قوات اليونيفيل لم يتراجع عن الحدود، ولم ينجح المجتمع الدولي بفرض إبعاده عن الجنوب. فلا يمكن لذلك أن يتحقق في العام 2023.
من بين الأفكار المتداولة أيضاً، هو تعزيز حضور الجيش اللبناني في الجنوب، وزيادة عديده هناك، ومضاعفته عن العدد الذي انتشر في العام 2006. لكن ذلك يبقى بلا أي فعالية من دون الوصول إلى اتفاق شامل وبرعاية دولية، يضمن إعادة تكريس الاستقرار في جنوب لبنان كما حصل بعد حرب 2006، علماً أن الطموحات الأميركية تبدو أوسع من ذلك، عبر التركيز على “ترسيم الحدود البرية” بعد الترسيم البحري، وهو ما تعتبر واشنطن أنه سيسهم في وقف العمليات العسكرية. من دون ذلك فإن خيار التصعيد يبقى قائماً.