أما وقد أنهت انتخابات «اتحاد جمعيات العائلات البيروتية» فصولها بانتصار مسار انتخابي ديمقراطي حر كسر آحادية القرار فيه للمرة الأولى منذ تأسيسه، وذلك بعد احتدام وتجاذب الاستعدادات التحضيرية لها بين نهجين، نهج عبّر عن شيطنته لمسار المنافسة الانتخابية الديمقراطية الحرة عبر لائحتين أو أكثر، ونهج عائلي شبابي مستقل رفض الخضوع لآحادية القرار والتسليم بمنطق أصحاب النهج الأول القاضي بتشكيل لائحة واحدة فقط، تفوز بما يشبه التزكية، أسوة بما كان يحصل منذ تأسيس الاتحاد، لذلك وجب التوقف بجدية لقراءة هذه المشهدية بمقاربة تحليلية بعيداً عن المواقف التقنية المتناقضة المتعلقة بتوزيع حصص مواقع الهيئة الإدارية العتيدة ورئاستها بين أصحاب النهجين باعتبار ان واقع الاتحاد سيكون بعد الانتخابات، بمعزل عن الفائز، ليس كما قبله، وبناء عليه نورد قراءتنا لهذه المشهدية بمقاربة تحليلية واقعية معمّقة:
• يمكن القول ان هذه الانتخابات أدخلت الاتحاد في مرحلة جديدة وأنهت مرحلة مهمة من تاريخه ارتبط فيها تألّقه وتأثيره على الرأي العام البيروتي بتظلله هالة وتأثير الرئيس الشهيد رفيق الحريري، متكئاً على رؤيته التنموية لمدينة بيروت، والتي شكلت حينها نقاشاً بيروتياً مجتمعياً خلافياً حاداً حول صوابيتها من عدمها.
• ان هالة وتأثيرات الاتحاد في بيئته قد بهتت وكانت قد بدأت تفقد بريقها ببطء عقب استشهاد الرئيس الحريري ، ثم انتهت فاعليتها المؤثرة مع هذه الانتخابات، بعد انتهاء وظيفة الاتحاد السابقة التي كانت جزءاً من مشروع رفيق الحريري التنموي والتي لم يتم بعدها رسم وابتكار وظيفة خلّاقة له من أجل صيانة دوره واستدامته بثبات وذلك لعدم جدّية وكفاءة الفريق السياسي والاجتماعي من الحلقة الضيقة لوريثه و المؤثر على قراره.
• لم يتمكن القيّمون على إدارة شؤون الاتحاد من متابعة وظيفته الخدماتية بعد استشهاد الرئيس الحريري وتعطّل فعاليته في ضخ النخب البيروتية للقطاعين العام والخاص بعد إبعاد غالبية الفريق المولج بالشأن البيروتي فتحوّل الاتحاد تباعاً الى ماكنة انتخابية لتيار المستقبل في غياب الخطاب السياسي الاجتماعي الجامع واقتصر دوره على تقديم بعض الخدمات والمساعدات العينية والمالية المحدودة وأضحى شبكة تنسج علاقات عامة بين عائلاته التي تلتقي حصراً على دعوات الموائد الظرفية، كما حصل في إعلان أسماء مرشحي احدى اللوائح المتنافسة في هذه الانتخابات من على موائد أحد المطاعم، الأمر الذي أدّى الى انتقادات لها في الاجتماع البيروتي خاصة في ظرف حياتي بائس يئنّ من جرائه الآلاف من البيارتة.
• أثبت مشهد هذه الانتخابات، كعينة تمثيلية، ان التحفّظ والرفض المعلنين وعدم مباركة المنافسة الديمقراطية بين مرشحي العائلات من قبل رؤساء الاتحاد السابقين، أفقدهم إمكانية تثبيت دورهم كحكماء حياديين يجمعون العائلات على كلمة سواء كما فشلهم بقاؤهم على مسافة واحدة من جميع المرشحين.
• أدّى منطق الأمور هذا لاحقاً، الى إضعاف تأثير الرؤساء السابقين وتلاشي الدور الوسطي الجامع الذي كان مأمولاً منهم ممارسته مستقبلاً، نتيجة خطيئة مشاركتهم في تشكيل لائحة منافسة مع فعاليات سياسية و انحيازهم العلني لها، بعد فشلهم في الوصول الى فرض لائحة توافقية.
• دفع سلوك الرؤساء السابقين الى وقوف شريحة وازنة من العائلات البيروتية، المستقلة بخياراتها المعارضة الرافضة للآحادية وللأداء السابق للاتحاد، الى المشاركة بكثافة في الانتخابات ، فكانت معركة ديمقراطية جدية بامتياز، ذات نتائج متقاربة، ما شكّل رسالة قوية الى من يعنيهم الأمر داخل الاتحاد وخارجه، تعلن انطلاق مرحلة جديدة من الحيوية البيروتية المجتمعية الآخذة بالتشكل في البيئة السنية ولتعبر عن نفسها مجتمعياً ووطنياً بشكل مستقل، ما سمح لها بأن تطل برأسها من داخل عائلات الاتحاد صوب المجال البيروتي الأوسع.
• كشفت هذه الانتخابات وجود قاسم مشترك بين جميع المرشحين ألا وهو غياب الرؤية والمشروع التنموي المديني الذي كان يجب أن يتوافق مع تصنيف الاتحاد كمنظمة غير حكومية لا تتوخى الربح NGO ما يشير الى طغيان دوافع الترشح للوجاهة والموقع الاجتماعي بغالبيتها، أو نتيجة الإيعاز السياسي بجزء منها، الأمر الذي سيضع إدارة الاتحاد المنتخبة في ظروف صعبة، خاصة إذا ما حصر دوره بتقديم بعض الخدمات والمساعدات التي لن تستطيع أن تعالج بهكذا جزئية، قضايا العائلات الحياتية الكلية المعقدة في غياب التخطيط والرؤية التنموية المرتكزة على خارطة طريق تنفيذية.
• أسئلة مركزية مشروعة برسم القيّمين على شؤون الاتحاد اليوم هو كيف يمكن النهوض بالاتحاد بعد الانتخابات وهل كانت معايير الكفاءات والمهارات المطلوبة لدى الفائزين متوفرة لرسم سياسة تنموية لبيروت مبنية على رؤية وفق اولويات حاجات العاصمة؟
• هل ستتوفر للفائزين القدرة على تقديم تصور لتطوير وتحديث النظام الداخلي للاتحاد وإقراره في الهيئة العامة لتحصينه من الانزلاق صوب التبعية والهيمنة السياسية كما بضرورة تظهير وبلورة دوره الرقابي والمحاسبي المطلوب لتقييم عمل ممثلي بيروت على المستوى البلدي والنيابي، وفق شروط تصنيفه كـ NGO ومحاكاة تحديث واحترافية عمل الاتحاد وبقائه مستقلاً بعيداً عن أي انحياز سياسي أو فئوي أو استزلامي لأي طرف كان؟
• لماذا لم تتقدم الهيئات الإدارية المتعاقبة في الاتحاد منذ تأسيسه بأي خطة جدّية وعملية لتحفيز العدد الأكبر من العائلات البيروتية على تشكيل جمعياتها للانتساب إليه، والتي يتجاوز عددها ألفي عائلة بيروتية منها ٩٠ عائلة منتسبة فقط منذ التأسيس، بهدف توسيع قاعدة الاتحاد؟ ولماذا لم يشكّل هذا الواقع السلبي قضية مركزية للرؤساء السابقين المتعاقبين؟
• برهنت الوقائع ان شعار وحدة العائلات إنما هو منطق تبسيطي للواقع كون الوحدة العائلية المدينية البيروتية فَقَدتْ معناها الفضفاض بفقدانها للعصبية العائلية، خاصة في بيروت، والذي يعبر عنه من خلال تنوع وتعدد وتناقض المواقف داخل العائلة الواحدة.
• إن ما يوحّد ويجمع العائلات في مجتمع مدينة كبيروت، والذي هو مجتمع رأي عام يصنع النخب السياسية والقيادية، يحاسبها ويقدّرها وينتقدها لا العكس، وذلك بحكم أنماط الانتاج السائدة فيه وشبكة العلاقات المصلحية البينية الاقتصادية الاجتماعية المدينية، ولكونه تخطّى بتطوره المجتمعي هذا، الحالة الشعبوية التي تتميز بانسياقها الأعمى وراء الشخص والزعيم المزعوم ، هذا الجمع والوحدة العائلية مرتبطة عضوياً بوجود القضية والمشروع الذي يرتبط بدوره بتقديم قيم الصالح العام البيروتي المفروض بلورته حتى الآن، ليس على أساس التنافس على الموقع من أجل الوجاهة الاجتماعية الفارغة من أي مضمون، ما يجعل التنافس يصب في إطار التناحر الشخصي أو الحزبي والسياسي السخيف وأحقاده والذي سيدمر مجتمع المدينة بمكوناته، واستطراداً الاتحاد وعائلاته ويتحلل كيانه الفاقد للمحتوى التنموي المطلوب له حاضراً.
• إن ما توقف عنده معظم الذين حضروا فرز نتائج الانتخابات التي تمّت بطريقة يدوية بدائية استمرت لأكثر من سبع ساعات حتى الفجر، وهنا يُسأل المقتدرون من القيّمين الغيورين على الاتحاد عن أسباب استقالتهم من دورهم ومسؤولياتهم في عدم مساهمتهم المباشرة عبر حثهم الهيئات الإدارية لتحديث آليات العمل الإداري ومكننته بما يليق ودور الاتحاد في بيئته.
• تميّزت هذه الانتخابات بدخول بعض الصحف والمواقع الاخبارية المرتزقة الصفراء المعروفة الانتماء السياسي بخبث كيدي على خط الانتخابات على خلفية العبث تعبوياً والى السعي التلاعب بالساحة السنية البيروتية لتعميق التناقضات داخل الاجتماع البيروتي وزيادة التباعد بين المرجعيات السنية المتعددة فيه، بهدف الإبقاء على حالة الإرباك فيما بينها، لكن الصدمة تمثلت في السكوت القاتل غير المبرر من قبل الرؤساء السابقين الغيورين على الاتحاد الذين واكبوا الانتخابات فالتزموا الصمت تجاه هذه الفبركات التي تدس السم في الدسم غافلين عن المثل القائل اكلت يوم أكل الثور الابيض.