بين بايدن و إسرائيل وإيران علاقة معقّدة شكليّاً. لكنّها قابلة للفهم وفق علم النفس الجماعي. بل حتى الفردي.
في النهاية الدول أشخاص. والأشخاص هم من يمثّلون الدول. أو يمثّلون عليها. أو حتى يمثّلون بها.
هي علاقة أقرب إلى ما يسمّى باللغة الإنكليزية threesome. أو بالفرنسية ménage a trois.
كلّ ما بين الثلاثة يدلّ على تلك الإشكالية.
أميركا بشكل عامّ “تعرف” إسرائيل منذ عقود طويلة. ولدت الثانية معها. وشاخت علاقتهما معاً.
فيما تعرّفت أميركا إلى إيران حديثاً. وفي حداثة المعرفة حشريّة وشغف ولو بلا سبب.
والمماثلة نفسها يحملها في عقله ربّما جو بايدن. فالرجل ثمانينيّ. عاش حقبات بلاده مع إسرائيل وإيران منذ نصف قرن على الأقلّ.
محطات التقارب الأميركي من إيران
في الجدّ، يمكن التوقّف عند أربع محطّات قرّبت العقل الأميركي من “جاذبية” إيران.
أولاها بعد سقوط الاتّحاد السوفياتي وصعود نظريّة “صدام الحضارات” وبروز الإسلام السياسي لاعباً دوليّاً.
فكانت كتابات صامويل لويس ثمّ “المحافظين الجدد”، عن حاجة أميركية فعليّة إلى إيران، عامل قلق وعدم استقرار داخل الإسلام. على فالقَيْه الاثنين: المذهبي والعرقيّ الإثنيّ.
بعدها كانت محطّة 11 أيلول، واستسهال الاتّهام الأميركي للإسلام السياسي السنّيّ، والانجذاب إلى الإسلام السياسي الشيعي. وصولاً حتى تنسيق احتلال العراق معاً تقريباً.
ثمّ جاء أوباما المستعلي على العرب. وخُتمت المحطّات بظهور الصين منافساً عالميّاً. وظهرت معها حاجة أميركية جديدة إلى إيران لقطع طريق الحرير الجديد.
في المقابل كان الكثير يتغيّر ويتبدّل على خطّ واشنطن تل أبيب.
قبل عقود، وعلى المستوى الثقافي العامّ على الأقلّ، كان الطرفان متقاربين.
كانت أميركا بلداً متوازناً بين محافظيه وليبراليّيه. وكانت إسرائيل كياناً يحرص على الادّعاء بصهيونيّة علمانيّة.
حتى إنّ بعض المؤرّخين الذين كتبوا عن زعماء إسرائيل جزموا أنّ أيّاً منهم لا يؤمن بالتعاليم الدينية.
بعد عقود تطوَّر البلدان. ذهبت أميركا أكثر نحو اليسار. بسبب تطوّرها الديمغرافي وتعدّديّتها المتزايدة.
فيما كانت إسرائيل تذهب أكثر فأكثر نحو تشدّد ديني وتطرّف يهودي.
فبدا الطرفان يسيران في اتّجاه معاكس.
كانت أميركا بلداً متوازناً بين محافظيه وليبراليّيه. وكانت إسرائيل كياناً يحرص على الادّعاء بصهيونيّة علمانيّة
بعدها، وبينما كانت أميركا تبتعد عن العالم السنّيّ وتقترب من الشيعة، كانت إسرائيل تسقط بشكل كبير وهم “حلف الأقلّيّات” من رأسها، وتراهن على مصالحة مع “الأكثرية السنّيّة” في المنطقة. لأسباب اقتصادية راهناً. ولأسباب التجارب السيّئة ماضياً.
لم يشذّ عن قاعدتها هذه إلا موافقتها على بقاء نظام الأسد في سوريا. على قاعدة عدم تحبيذها إنشاء مختبرات بشرية للديمقراطية الإسلامية، على حدودها مباشرة. وتفضيلها الاستقرار على نظريّات الحداثة والمعاصَرة!
ومرّة جديدة بدا أنّ أميركا وإسرائيل تتباعدان.
حتى بلغت الأمور قبل نحو عقد من الزمن حدّ الكلام الأميركي عن نهاية “مركزيّة الشرق الأوسط” في شاشة واشنطن الخارجية. والذهاب شرقاً وتطمين إسرائيل بثلاث معالجات:
1- ضرب القوى الكبرى من حولها، وأهمّها العراق وسوريا وتفتيتهما.
2- استيعاب قوى أخرى بالتسويات السلمية. من مصر إلى الخليج.
3- تذليل قضيّة فلسطين بخطوات جزئيّة صغيرة، وصولاً إلى إسقاطها بالتقادم الزمنيّ والسياسي.
ومع أنّ المعالجات الثلاث لم تكن صحيحة ولا صائبة، ولو بنسب مختلفة، يظلّ أكيداً أنّ الفتور أصاب علاقة واشنطن وتل أبيب.
زوجة إسرائيلية وعشيقة إيرانية
هكذا لم يكن تفصيلاً ولا صدفة أن يكتب اثنان من كبار علماء السياسة الأميركيين (ستيفن والت وجون ميرشماير) بحثاً معمّقاً نقدياً ونقضيّاً لعمل اللوبي الصهيوني في أميركا. ولم يكن تفصيلاً ولا صدفة أن يبدأ الغرب يشاهد بإعجاب السينما الإيرانية، رائياً فيها تعبيراً عن ثقافة رفيعة رقيقة. فيما الحضور الإسرائيلي على شاشته مقتصر على غال غادوت، ملكة جمال إسرائيل المتحوّلة نجمة أفلام “أكشن” بلا روح ولا جماليّات!
يوماً بعد يوم، حصل التحوّل بين الثلاثة. حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض لم يكن إلا ردّ فعل أميركياً عنيفاً على رفض منظومة “واسب”، أو البروتستانت البيض الأنغلو ساكسونيين، للتغيير الحاصل في الوجدان والمجتمع الأميركيَّين. وحتى هذا الانقلاب، في نقل السفارة الأميركية إلى القدس وكلّ جنون ترامب، لم يغيّر الاتّجاه العامّ. فظلّ الجفاء مسيطراً على الذهنيّات بين واشنطن وتل أبيب. على الرغم من التلاقي السياسي المحكوم والمحتوم.
في الجدّ، يمكن التوقّف عند أربع محطّات قرّبت العقل الأميركي من “جاذبية” إيران
ظلّ الإعجاب السرّيّ بين واشنطن وطهران، على الرغم من العداء الدولتيّ المعلن.
في مكان ما يبدو بايدن العتيق عالقاً بين زوجة إسرائيلية، وعشيقة إيرانية.
وكلّ ما بين الثلاثة يدلّ على ذلك. مدّة العلاقة. وطريقة السلوك. وحتى إنفاق المال بينهم.
هم ثلاثيّ يتحكّم بمصير كثيرين. اغتصاباً. حبّاً. أو عشقاً. أو اغتصاباً سياسياً، أو حتى فعليّاً!