هل أراد “الثنائي الشيعي” إحراق اسم سليمان فرنجية بترشيحه؟ أم أنّ هناك “أوراقاً مخفيّة”؟
في هذه السلسلة، محاولة لفكّ شيفرة هذا الترشيح.
في الجزء الثاني محاولة للغوص في عقل عين التينة السياسي: هل الرهان على تسوية يمنية – لبنانية؟
لا ينتبه كثيرون، وهم يحاججون قوى 8 آذار، اعتراضاً على ترشيح سليمان فرنجية، وتذكيراً بأنّ “الشيعية السياسية انتخبت ميشال عون وأوصلت البلاد إلى الانهيار”، لا يلتفتون إلى أنّ الرئيس نبيه برّي لم ينتخب ميشال عون، وظلّ رافضاً رئاسته، ووضع أوراقاً بيضاً في الصندوق، و”للتاريخ”.
فرئاسة ميشال عون صُنِعَت أوّلاً في معراب عبر التفاهم مع القوات اللبنانية. ثمّ في بيت الوسط عبر التفاهم مع سعد الحريري. وظلّ برّي معارضاً حتّى اللحظة الأخيرة، خلال جلسة شهدت صوتاً لميريام كلينك وإعادة أكثر من مرّة بسبب “أخطاء تقنية” في عملية الانتخاب.
يُنقل عن مرجع أساسي في 8 آذار، أنّ القراءة التي تعتبر إيران “متقهقرة” في الإقليم، غير دقيقة
لا ينتبه هؤلاء أيضاً إلى أنّ سنوات “حكم” عون، لم تكن سنوات “حكم” برّي، بل شهدت مناوشات بين جبران باسيل وعين التينة، ليس أوّلها اتّهامه بأنّه “بلطجي” ولا آخرها الخلاف على ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
كما لا ينتبهون إلى أنّ سليمان فرنجية “الشخص” ليس ميشال عون.
– الأوّل “تجاوز” مجزرة إهدن وصالح القوات اللبنانية، و”تجاوز” ترشيحه، وغاب عن جلسة برلمانية كانت ستتوِّجه رئيساً للجمهورية، نزولاً عند طلب حلفائه.
– أمّا الثاني فتمسّكه بالسلطة “فجّر” لبنان، مرّةً بعد توقيع اتفاق الطائف، ومرّة أخرى بعد وصوله إلى بعبدا. وها هو وريثه جبران باسيل يرفض “ردّ دين” فرنجية حين غاب عن جلسة انتخابه.
– الأوّل سليل بيت على علاقة طيّبة بالمملكة العربية السعودية أباً عن جدّ.
– فيما الثاني “يكره” العرب، علناً، ويسوّق لـ”مشرقية” حلف الأقليّات، بين العلويين والشيعة والمسيحيين، بمواجهة “بحر السُّنّة” والامتداد العربي. ويحمل “أحقاداً” سياسية لا يتجاوزها، ليس أصغرها “الإبراء المستحيل”.
– الأوّل من أركان “اتفاق الطائف”، من موقعه المسيحي.
– والثاني لا يخفي رغبته العارمة في تفجير اتفاق الطائف، والعودة إلى “المارونية السياسية” و”الحكم الرئاسي”. وهو ما حاول أن ينفّذه بالأعراف وبيد “مصمّم الأزياء الدستورية”، مستشاره القانوني في بعبدا سليم جريصاتي.
سوريا والعراق… الحلول آتية
يُنقل عن مرجع أساسي في 8 آذار، أنّ القراءة التي تعتبر إيران “متقهقرة” في الإقليم، غير دقيقة. ويذهب إلى القول إنّ سوريا تشهد انفراجات غير مسبوقة. ويطرح مجموعة من الأدلّة على ذلك:
1- أنّ الرئيس بشار الأسد قد زار سلطنة عمان، في الخليج، وهي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي. بل وهي أوّل زيارة إلى “مجلس التعاون الخليجي” منذ قيام الثورة في سوريا. إضافة إلى تقاطر موفدين عرب إلى سوريا، أبرزهم وزير الخارجية المصري، ضمن “سياسة الزلزال” والمساعدات.
2- أنّ رئيس الحكومة العراقية الجديدة، محمد شياع السوداني، انفتح على العرب، على الرغم من أنّه قريب من الحرس الثوري الإيراني، ونتاج “انقلاب” إيراني على نتائج الانتخابات التي فاز بها مقتدى الصدر، قبل أن يستقيل من مجلس النواب و”يصمت”.
3- أنّ لقاءين جمعا مساعد الرئيس نبيه برّي، النائب علي حسن خليل، وسفير السعودية في لبنان وليد البخاري، خلال الأسابيع الأخيرة. وكانت خلاصة الجلسة وجود “تقدّم” بين الجلستين، وأنّ “الأبواب ليست موصدة” أمام فرنجية “بالكامل”.
4- أنّ الأمين العام للحزب، في خطابَيه الأخيرين، كان مهادناً للسعودية، وحين تحدّث عن اليمن، اعتبر الاحتلال “أميركياً”، ولم يسمِّ السعودية.
يسأل المرجع: “إذا حصل خرق في سوريا والعراق.. فلماذا لا يحصل خرقٌ في لبنان؟”.
هذا السؤال يفتح باباً كبيراً حول “الرهان” الذي ذهب إليه الرئيس برّي والأمين العام لحزب الله، بترشيحهما سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، مع علمهما المسبق باعتراض القوى المسيحية الرئيسية على ترشيحه، وغياب “الإجماع” اللبناني عليه، وصعوبة تسويقه سعودياً وعربياً.
هناك رهاناً على أنّ “الحوار” وتقاذف الحجج، عبر الإعلام وكذلك عبر اللقاءات المباشرة، قد يوصل إلى نقاط التقاء
لبنان ملفّ يمنيّ
يقول أحد العارفين بالسياسة السعودية في لبنان، إنّ “لبنان ملفٌّ يمنيّ”. أي أنّ السعودية تقارب لبنان باعتباره قاعدة عسكرية وسياسية وتدريبية وإعلامية، ومنصّة للهجوم على السعودية والخليج العربي، من اليمن، بخبرات ودعم وسلاح “لبنانيّة” الهوى، وإيرانيّة التمويل.
لكنّ إيران لا تزال تصرّ على “فصل المسارات”. وهذا ما أصرّ عليه الأمين العام للحزب، في خطابه الأخير: “لا علاقة للملف النووي الإيراني بأيّ شيء آخر في المنطقة، ومن ينتظر تسوية إيرانية أميركية سينتظر 100 سنة، فحلّ موضوع اليمن هو في يد اليمنيين وقيادة أنصارالله” (6 آذار 2023).
لكنّ الإصرار على ترشيح فرنجية، على الرغم من الرسائل السعودية المباشرة والمواربة بأنّه مرشّح مرفوض، يطرح سؤالاً ضرورياً: هل يراهن “الثنائي” على “تمريرة” يمنية للسعودية، يُقبض ثمنها في لبنان؟ تماماً كما مرّر الحزب “الترسيم البحري” في بيروت، وقبضت إيران ثمنه رئاسة حكومة العراق و”صمت” مقتدى الصدر وخروجه من المشهد، و”صمت” ثوّار تشرين العراقيين والجانب الأميركي؟
في لبنان لا يتحمّل حزب الله “هزيمة” من وزن ترشيح فرنجية، ثمّ خسارته. وبالتالي فإنّ فرضية “الحلّ اليمني” تتقدّم وفق سيناريو “الترشيح العلني” لفرنجية وبدء معركته الإعلامية والسياسية.
الوقتُ… كالسيف
الوقت كالسيف. أحياناً يقطع رؤوساً، وأحياناً يعفي عنها. ولبنان في هذا المعنى لا يملك ترف الوقت أو الانتظار. لهذا فإنّ ما تيسّر لميشال عون، لا يمكن أن يحظى به فرنجية. الانهيار المالي وتفكّك أوصال المؤسسات، والشغور الزاحف من الأمن العام في بداية آذار الجاري، إلى حاكمية مصرف لبنان في أوّل تموز المقبل، إلى غيرها… يجعل الوقت جنرالاً صعب المزاج.
لكنّ هناك رهاناً على أنّ “الحوار” وتقاذف الحجج، عبر الإعلام وكذلك عبر اللقاءات المباشرة، قد يوصل إلى نقاط التقاء.
من يعرف الرئيس برّي يعرف أنّه ليس صدامياً. أمّا عبارة “طفل الأنبوب” فلم يكن المقصود منها الإهانة أو المواجهة، بقدر ما كانت على سبيل الدعابة. ولم تكن إعلان “مواجهة” كما ذهب البعض. كانت “مزحة” وحُمّلت أكثر ممّا تحتمل.
لم يغادر الرئيس برّي مربّعه التاريخي: وسطيّ في زمن الأضداد، وحواريّ في أوقات الخلافات الكبيرة. وحين افتتح “الردّة” على سليمان فرنجية، يجزم العارفون أنّه كان يحمل في يده أوراقاً كثيرة، منها الأصوات السنّيّة “الجاهزة”، ومنها صداقة وليد جنبلاط، ومنها ما تيسّر من أصوات عونية، بعضها “جاهر” بأنّه سيكون “الصوت الـ65 لفرنجية”، أي نائب رئيس مجلس النواب، الياس بو صعب.