هل يتمكّن التيار الوطني الحر من جمع تواقيع 26 نائباً على العريضة النيابية الاتّهامية بحقّ حكومة تصريف الأعمال لمخالفتها الدستور؟ فيما يسلّم كثيرون أنّ العريضة هي مجرّد رسالة من جبران باسيل أقرب إلى عرض العضلات. فإنّ قرار الحكومة بتعيين رئيس أركان قد يتعرّض، وفق المعلومات، للطعن من قبل وزير الدفاع والتيار الوطني الحرّ أيضاً.
كبّر النائب جبران باسيل حجر معركته ضدّ الحكومة إلى حدّ الذهاب نحو المواجهة بالسلاح الأبيض. وذلك عبر الاتّهام المباشر لرئيس الحكومة والوزراء بارتكاب مخالفات دستورية تستوجب محاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
فيما تعكس مرجعيات دستورية وقانونية وسياسية مواقف تدين الحكومة صراحة لـ “تعدّيها الفاضح على صلاحيّات رئيس الجمهورية، لا سيما من خلال ردّ القوانين”. فإنّ خطة باسيل، في مرحلتها الأولى، عبر تقديم عريضة نيابية، لن تقود إلى مكان باستثناء إحراج الأخصام والحلفاء ومحاولة مراكمة نقاط في الشارع المسيحي.
هل يتأمّن توقيع 26 نائباً؟
من خلال بوانتاج بسيط تتبيّن صعوبة تأمين 26 توقيعاً على العريضة النيابية الموجّهة ضدّ رئيس الحكومة و18 وزيراً ممثّلين لكتلهم في مجلس النواب. إذ الأغلبية الساحقة لن توقّع بدءاً بنواب “حركة أمل” والحزب و”القوات” و”الكتائب” و”الاشتراكي” والكتل التي تقف على المقلب الآخر المضادّ لسياسات باسيل والأغلبية الساحقة من النواب المستقلّين والتغييريّين.
سليم عون: تعديل على المسوّدة
أنجزت قيادة التيار الوطني الحر أمس الصياغة النهائية للعريضة النيابية الاتّهامية التي أعلنها باسيل بحقّ الحكومة. وذلك على خلفية القرار الصادر عن الأخيرة بتعيين رئيس للأركان ومخالفات دستورية أخرى تمهيداً للمحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وبدءاً من أمس دُشِّنت مرحلة جمع التواقيع التي قد لا تشمل كلّ نواب تكتّل لبنان القوي من الحلفاء.
كبّر باسيل حجر معركته ضدّ الحكومة إلى حدّ الذهاب نحو المواجهة بالسلاح الأبيض. وذلك عبر الاتّهام المباشر لرئيس الحكومة والوزراء بارتكاب مخالفات دستورية
يقول نائب التيار الوطني الحر سليم عون لـ “أساس”: “المسوّدة الأولى كانت مُكثّفة وطويلة نسبياً. وبعد اتّصالات ومشاورات مع عددٍ من الكتل والنواب، قمنا بتعديلها كي تصبح مُختصرة. فلم نشدّد على المخالفات الدستورية التي قد تشكّل نقاط تباين بل على النقاط التي من المفترض أن تلقى إجماعاً عليها عند أصحاب الإرادة الحقيقية”.
يضيف عون: “من المخالفات الدستورية الفاضحة التي لا يمكن لأحد أن يتجاهلها أو يجد لها تبريراً ومخرجاً تعيين رئيس الأركان مع سلّة المخالفات الدستورية التي طبعته بالشكل والمضمون”.
باسيل
باسيل يُحرِج القوّات والحزب
يُحاول باسيل إحراج كلّ النواب “المُزايدين” في مسألة الحقوق المسيحية ومواجهة التعدّي على صلاحيّات رئيس الجمهورية حين قال: “هلّق منشوف مين بوقّع معنا ليعرفوا اللبنانيين مين رافض ومن قابل بإلغاء الشراكة”. والأهمّ تثبيت “تهمة” مشاركة حليفه الحزب في تغطية أعمال الحكومة. لا سيّما إصدارها قانون التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، ثمّ تعيين رئيس أركان عبر الموافقة على تجاوز دور وزير الدفاع.
القوّات: التيّار يغطّي الحكومة!
تقول مصادر القوات اللبنانية أوّل فريق مسيحي معنيّ برسالة باسيل “المُحرِجة” لـ “أساس”: “حين تُقدَّم العريضة للقوات وتطّلع على مضمونها يُتّخذ الموقف المناسب. لا شكّ أنّ القوات مُعترِضة على أداء الحكومة التي تتعدّى على صلاحيات رئيس الجمهورية”.
تضيف المصادر: “هناك أمور تحدث بحكم الضرورة القصوى، وهناك أمور غير مقبولة وتشكّل تعدّياً فاضحاً على الصلاحيّات. لكنّ هذا الواقع منفصل عن مسار العريضة التي سيكون لنا رأي فيها حين تصلنا. عِلماً أنّ القوات تعتبر أنّ وجود وزراء التيار في الحكومة هو بحدّ ذاته تغطية حزبية لها. وبعض هؤلاء يؤيّد ويستفيد من قرارات وزارية معيّنة ويشارك أحياناً في جلسات الحكومة”.
قرار غير قابل للطعن؟
يتحسّب الفريق الخصم للحكومة بأنّ قرار تعيين رئيس الأركان (كما أراد معدّوه) قد صَدَر بصيغة الـ acte de gouvernement ، وهو ما يعني قانوناً بأنّه غير قابل للطعن.
من خلال بوانتاج بسيط تتبيّن صعوبة تأمين 26 توقيعاً على العريضة النيابية الموجّهة ضدّ رئيس الحكومة و18 وزيراً ممثّلين لكتلهم في مجلس النواب
كما جاء في قرار مجلس الوزراء: “إجماع الوزراء الحاضرين وعددهم 18 وزيراً والذي يفوق الأكثرية المفروضة قانوناً المنصوص عنها في الفقرة الثانية من المادّة 65 من الدستور (ثلثا أعضاء الحكومة)”. وبالتالي التنازل عن حقّهم بإعادة النظر في القرار الذي يدخل ضمن صلاحيّات رئيس الجمهورية.
وفق مصادر قانونية، ألزمت الحكومة نفسها بإصدار مراسيم منح الأقدمية والترقية والتعيين حين أشارت في البند رقم 2 في قرار التعيين إلى “الموافقة على مشروعَي المرسومين ذوَي الصلة وإصدارهما وكالة عن رئيس الجمهورية عملاً بالمادّة 62 من الدستور”.
لكن وفق الدراسة القانونية التي أعدّها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكّية برّرت الحكومة لنفسها عدم صدور قرار التعيين بمرسوم تحت عنوان “القوّة التنفيذية لقرار مجلس الوزراء”. وذلك باعتباره قراراً نهائياً نافذاً يُنشئ المفاعيل القانونية كافّة للمُخاطَبين به، فيما صدور المرسوم مجرّد عمل شكليّ وإعلانيّ للقرار المتّخذ.
يسلّم كثيرون أنّ العريضة هي مجرّد رسالة من باسيل أقرب إلى عرض العضلات
بالمحصّلة، تشير المعطيات إلى توجّه وزير الدفاع، على الرغم من مبدأ التضامن الوزاري، إلى الطعن بقرار التعيين مع أنّه لم يصدر بمرسوم. كما عَمد الوزير سليم إلى إصدار تعميم، وفق ما كشف موقع “أساس” في المقال الذي نُشر في 17 شباط الجاري، يعتبر قرار الحكومة بتعيين رئيس الأركان “منعدم الوجود”. فيما لم تُعرف بعد صيغة الطعن التي قد تقدّم من جانب التيار الوطني الحر.
سابقة دستوريّة
تقديم وزير الدفاع موريس سليم طعناً بقرار التعيين الصادر في 8 الجاري يؤسّس لسابقة فريدة من نوعها. فنصبح أمام مُستدعٍ هو وزير الدفاع ضدّ المستدعى بوجهها الدولة اللبنانية – مجلس الوزراء. مراجعة إبطال لا سابقة لها قبل وبعد اتفاق الطائف الذي انتقلت من خلاله صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، ووزير الدفاع هو أحد أعضائه، اليوم. وهو ما يُلزِمه بالتضامن الوزاري.
لكنّ المصادر القانونية تقول لـ “أساس”: “لقد وصلنا إلى مرحلة نَصِفها بالـAberration، أي الانحراف الأقرب إلى الهرطقة. من كان ليتصوّر أن تصل الحكومة، في مرحلة تصريف الأعمال، إلى هذا الحدّ بتجاوز صلاحيات دستورية تعود لرئيس الجمهورية؟ هناك اعتداء هائل على الصلاحيات، والسوابق تستدعي سوابق مضادّة كأن نرى وزير الدفاع يتقدّم بمراجعة إبطال ضدّ قرار صادر عن حكومة هو عضو فيها”!.