و”أظنّها طلقات الغدر حين هوت
تكاد لو أبصرت عينيك تعتذر”
(قصيدة جبل الباروك – شوقي بزيع)
عذراً أيّها الشاعر والصديق شوقي بزيع، لم يكن ظنّك بمحلّه. طلقات الغدر حين تهوي، لا تستحي من عيون رجالنا الأبطال. وقحة كوقاحة هذا الزمن. تنحر الرجال العمالقة، لتمهّد الطريق للأقزام.
رصاصات الغدر حين هوت على كمال جنبلاط، ما كانت يا شوقي لتتراجع ولو أبصرت عينيه وما كانت حتى لتعتذر. القاتل الغدّار يا شوقي، لا يستحي بقتلنا. يفاخر به. يحتفل، يرقص، يأكل الحلوى. يتّهمنا نحن بالانتحار. قُتل كمال جنبلاط وصبحي الصالح، والمفتي حسن خالد. قُتل رفيق الحريري، وباسل فليحان. حاولوا قتل مروان حمادة ومي شدياق. لم يستحِ القاتل من نجل وليد عيدو فقتله مع والده. ولم يُمهل أنطوان غانم كي يلقي السلام على الأحبّة والعائلة بعد سفر، فعاجله عند باب منزله بكمّ من القتل في انفجار. لم يشفع شباب جبران تويني له فقُطّع جسده إلى أشلاء. قلت لك يا شوقي إنّ الغدّار وقحٌ وقحٌ جداً لا يعرف الشفقة ولا الاعتذار.
جبل الحقود
نعم يا شوقي، في قصيدة “جبل الباروك” قلت أيضاً “أرض الخسارة يا لبنان هل رجل يُعيد للناس بعد اليوم ما خسروا”. ليس هناك من رجل يملأ فراغ عملاق. غاب كمال فغاب اسمه وصدرت الجريدة بيضاء. غاب رفيق لم يعد لدينا رفيق يواسينا، يساعدنا، يذهب بنا إلى عالم الأحلام. اغتيل بيار الجميّل فاغتيلت معه طموحات أحلام الشباب. ذنبه فقط أنّه آمن بلبنان، أحبّه وأحبّ صناعته وكلّ ما فيه.
يا شوقي، صحيح جدّاً، في وطننا يوجد جبل الباروك، لكن أيضاً في وطننا جبال وقتلة ووديان يهيمن من عليها الحقود.
رصاصات الغدر حين هوت على كمال جنبلاط، ما كانت يا شوقي لتتراجع ولو أبصرت عينيه وما كانت حتى لتعتذر. القاتل الغدّار، لا يستحي بقتلنا
في وطننا يا شوقي، يُقتل رجل ككمال جنبلاط، فنتناساه عن سبق إصرار وتصميم. خوفاً من رصاصات الغدر التي لا تتوانى عن قتل من يتحدّث منّا، من يجرؤ على الرفض وعلى المشاكسة ويثور بوجه الضرر بعروبة لبنان.
في وطننا يا شوقي، قائد يُقتل وشاعر يرثي، وشعب اعتاد حمل التوابيت.
ماذا فعلت “لو” فينا؟
أزمتنا مع القاتل الحقود، أنّنا كنّا دائماً نظنّ به الخير، كما فعل شاعرنا الكبير. نقول لو ولو ولو وألف لو ولو، كي نبرّر له جريمته أو كي نبرّر هواننا بوجه جريمته. قلنا لو تحدّثوا إلى رفيق الحريري ما قتلوه، ولو أنصتوا للمفتي حسن خالد ما فجّروه، ولو عرفوا قيمة وسام الحسن ما اغتالوه..!
القاتل يا شوقي، وقح وقح جدّاً كهذا الزمن اللئيم، لا يلتفت لعيوننا ولا يسمع كلماتنا، ولا تهزّه دموعنا.
في 16 آذار 1977، اغتيل كمال جنبلاط ورفيقاه.
47 عاماً مرّت
47 عاماً مرّت، وما زلنا جميعاً واقفين عند كوع “دير دوريت” نبحث عن القاتل عبثاً، خلف الشجر، خلف الحجر. مات المحقّق واختفى الشهود، وبقي وحده ذاك النصب عند الكوع يكتب التاريخ..
47 عاماً مرّت على رحيل سيد الشجاعة في القول، وها هي فلسطين تعود إلينا ونعود إليها. آمن جنبلاط بفلسطين وقضيّتها، فعاداه الجميع من أجل فلسطين واغتاله القاتل لأنّه مع فلسطين.
47 عاماً مرّت، ولم يتغيّر شيء. وكما قال الشاعر شوقي بزيع في آخر قصيدته:
“طال ارتحالك ما عوّدتنا سفراً
أبا المساكين فارجع نحن ننتظر”.