ما قدّمه رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، من بكركي، هو بمثابة برنامج رئاسي. اللهجة التي تحدّث بها الرجل تنطوي على نوع من الارتياح والتفاؤل، الذي دفعه إلى الإقدام. هو كان واضحاً في كل الأحوال بأن مسار التسوية انطلق في المنطقة، ما يعني أنه يعوّل عليه لبنانياً. مرر فرنجية كلاماً مدروساً حول برنامجه، والضمانات، من البحث في الاستراتيجية الدفاعية إلى العلاقة مع سوريا والعمل على معالجة ملف اللاجئين السوريين.
مما لا شك فيه أن ثمة إشارة إيجابية دفعته للتحرك. وتلك الإشارة قد وردت من باريس. إذ أن الموقف الفرنسي المعروف تم إبلاغه مجدداً لرئيس حزب الكتائب، سامي الجميل.
الإصرار الفرنسي
لا تُصنع رئاسة جمهورية في لبنان، إنما كل سياقاتها تأتي من الخارج. في هذه المرحلة، تجوب المعركة الرئاسية عواصم العالم، من باريس إلى الرياض وما بينهما، بكين، موسكو وواشنطن ودمشق. في لبنان تواصل الديبلوماسية الفرنسية تحركها على إيقاع الإيليزيه، وذلك يتلخص بنقطتين أساسيتين. الأولى، حركة السفيرة الفرنسية باتجاه القوى المتعددة، لإقناعها بالسير في هذه التسوية على قاعدة أنها الخيار الوحيد المتاح. والثانية، تتعلق بفريق عمل السفارة الذي يتحرك أيضاً، وقد تبدّلت توقعاته مؤخراً.
فقبل أسبوع مثلاً، كانت الأجواء لدى الديبلوماسيين الفرنسيين في بيروت بأن هناك صعوبة كبرى في وصول فرنجية إلى الرئاسة. ثم في أوائل الأسبوع الحالي، حصل تبدّل بالمواقف. فيعبر الديبلوماسيون الفرنسيون عن اعتقادهم بأن تغيراً سيحصل في الموقف السعودي، وستبرز هناك موافقة على خيار فرنجية. وذلك بالارتكاز على تطور العلاقة السعودية السورية من جهة، وبسبب محاولة مسؤولين فرنسيين تحقيق خرق في الموقف السعودي بالاستناد إلى الضمانات التي قدمها فرنجية.
لا يخفي الديبلوماسيون الفرنسيون انتقادهم لأداء رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، وذلك بسبب عدم موافقته على السير بتسوية فرنجية. إذ يعتبر الفرنسيون أن باسيل يستحيل أن يسير بخيار رئيس تيار المردة، ولكن يمكن لجعجع أن يفعلها، وهو ما اصطدموا بعكسه. ما يدفعهم إلى طرح تساؤلات حول ما يريده رئيس القوات.
الغموض الأميركي
أميركياً، لا تزال المواقف غامضة. بعض المؤشرات تفيد بأن الأميركيين يعارضون الخيار الفرنسي، فيما معطيات أخرى تفيد بأنهم لا يمانعون خيار فرنجية، ويستعدون للتعامل معه في حال تم انتخابه. ويحاول الأميركيون في لبنان طرح أسئلة حول كيف سيكون لبنان في ظل عهد سليمان فرنجية، وكيف سيتم التعاطي معه من قبل القوى السياسية، وما ستكون عليه الخطوات بشأن تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية.
لا يزال الأميركيون حتى الآن في خلفية المشهد، على الرغم من تأثيرهم الكبير في هذا المسار، بحال قرروا التدخل مباشرة.
خط الرياض-طهران
يبقى التطور في العلاقات السعودية السورية هو الأساس. في لبنان، يدور كلام كثير وتساؤلات أكثر حول تقبّل دول الخليج لدور سوري بالملف اللبناني، كما كان الحال في التسعينيات وصولاً إلى العام 2005. هذا، على الرغم من أن متغيرات كثيرة حصلت، أبرزها أن دور سوريا في لبنان كان يستند على أيضاً على موافقة أميركية فرنسية،وهي حتماً غائبة اليوم. ثانياً، هناك ظروف موضوعية قد تغيرت إلى حدود بعيدة، أبرزها أن النظام السوري لن يكون قادراً على تجاوز حزب الله ومن خلفه إيران في لبنان، لا سيما أن الحزب موجود في سوريا بقوة، وكان له إسهام كبير في الحفاظ على النظام وبقائه. وبالتالي، لا يمكن للحزب أن يسلم أوراقه لأي جهة إقليمية أو دولية، طالما أنه يتمتع بالقوة التي تمنحه الدور الأبرز على الساحة. هذا المعيار يبقى الأساس في عرقلة أي تفويض خارجي للعب النظام السوري دوراً أساسياً في لبنان، إلا من خلال حزب الله.
تلك القراءة تدفع إلى طرح سؤال أساسي، هل أن ملف الرئاسة اللبنانية يمكن أن يعالج في دمشق أم في بيروت؟ وهل أن النظام السوري وحده قادر على التأثير في هذا المسار لدى القوى الحليفة لفرنجية وطهران؟ ثمة من يعتبر أن من يبت في هذا الملف حصراً هو حزب الله وبتفويض إيراني صرف. لا سيما أن الجهة التي عملت على دعم ترشيح فرنجية هي الحزب والرئيس نبيه برّي، وذلك انطلاقاً من قراءة للمواقف الإيرانية وللتطوات الإقليمية على خطّ طهران الرياض.
وفق هذا المعطى، يعود البت بالأمر لحزب الله، خصوصاً أنه الأكثر قدرة على توفير الضمانات اللبنانية والإلتزام بها. بناء عليه ثمة من يشير إلى إمكانية حصول تواصل مباشر أو غير مباشر بين الحزب والرياض، وإن كان على مستوى أمني مثلاً، خصوصاً في ضوء معلومات تشير إلى جهات تعمل على ترتيب هذا التواصل في العاصمة العراقية بغداد.