قاعدة “الحرب سجال” و”الأيام دول”، هي التي يعتمدها حزب الله وحركة حماس في المواجهة العسكرية المفتوحة ضد إسرائيل. إذ يظهر في الأيام القليلة الماضية تغيّر في مسار العمليات العسكرية، ليبدو حزب الله وحماس في موقع المبادرين بتوجيه الضربات، بخلاف ما كان عليه الوضع في السابق.
المساران العسكري والسياسي
وفق مراقبة بسيطة لمسار العمليات في الأسبوع الأخير، يتضح أن حماس أعادت تشكيل قواتها في مختلف مناطق قطاع غزة، وتنفذ عمليات عسكرية في كل مكان، وتوقع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي. أيضاً، حزب الله استعاد المبادرة في الجنوب، وينفذ ضربات نوعية باستخدام أسلحة جديدة ويحقق إصابات مباشرة أيضاً.
على مدى الأيام الماضية انخفض عدد الغارات الإسرائيلية في الجنوب، واعتمد حزب الله تكتيكاً عسكرياً يجنبه سقوط المزيد من الشهداء من العناصر، الذين يعملون على إطلاق الصواريخ، من خلال اعتماد تقنية جديدة تتركز على إطلاق الصواريخ عن بعد، فيما استأنف الإسرائيليون عمليات الاغتيال بحق كوادر الحزب. إلا أن الأخير لا يزال يحتفظ بعنصر المبادرة. لا يفصل حزب الله وحماس المسار العسكري المستمر والمفتوح، عن المسار السياسي، لا سيما في ظل التنسيق المشترك بينهما، والذي تجلى مؤخراً في الاجتماع الذي عقد بين أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله ووفد من حركة حماس برئاسة خليل الحية.
وحسب المعلومات، فإن الاجتماع ركز على الموازنة بين استمرار العمل العسكري من جهة، والمسار السياسي والوصول إلى صفقة وفق التفاوض من جهة أخرى.
صمود حماس وأسلوب الحزب
تعبّر مصادر الطرفين عن ارتياح لمسار الحرب، وأن حماس لا تزال قادرة على الصمود والقتال لفترة طويلة، فيما إسرائيل ستكون محرجة بطول أمد الحرب، وبالضغوط الكبرى التي تمارس عليها من قبل أميركا، وصولاً إلى وقف تدفق الأسلحة. يتوقع الجانبان إعادة تجديد المفاوضات قريباً جداً، من خلال زيارة لرئيس المخابرات الأميركية، وليم بيرنز، إلى المنطقة، لإعادة وضع الصفقة على طاولة البحث. كما تشير المصادر إلى إعادة تشكيل حماس لقوتها العسكرية، ورفضها أي صيغة من صيغ الخروج من غزة أو تخليها عن الحكم. بينما هناك من يطرح فكرة أن تعتمد حماس الأسلوب نفسه الذي اعتمده حزب الله بعد حرب تموز سياسياً، بعدم الانخراط السياسي بشكل مباشر بين العامين 2006 و2008، وبعدها استكمل مسار تعزيز الحضور السياسي. فبهذا الأسلوب قد تصبح حماس هي القوة السياسية الأبرز. وهذا ينسجم مع كلام خليل الحية عندما تحدث قبل فترة عن الاستعداد للانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة في مسار عمل الحركة.
من الواضح جداً التكامل العسكري بين حزب الله وحماس، وذلك ربما ضمن غرفة العمليات العسكرية المشتركة. إذ يلجأ الطرفان إلى تبديل التكتيكات العسكرية لديهما بين فترة وأخرى. وهو ما يظهر في ميدان المعركة، بل هو ما لم تشهده إسرائيل في تاريخ الصراع. فهناك نقاط أو مواقع أو مرابض جديدة تستحدثها هذه القوى بشكل يعبر عن الجهوزية التقنية واللوجستية للتكيف مع الأوضاع كلما تغيرت. وذلك من شأنه أن يضع المنطقة كلها على تقاطع يؤدي إلى إما الحرب الشاملة والمدمرة، وفق ما قاله نصرالله في خطابه الأخير، أو اتفاق شامل يلبي الشروط كحل الدولتين وإنهاء ملف ترسيم الحدود في لبنان، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
أميركا-إيران
يمكن لهذه المعركة أن تقود إلى انتهاء نمط خوض الحروب بجولات قتالية بين فترة وأخرى. بل يمكن لهذه الحرب أن تكون الأخيرة في سياق إعادة رسم معالم المنطقة. وهذا لا يمكن فصله -بالنسبة إلى المصادر- عن مسار التفاوض الإيراني الأميركي، خصوصاً في ضوء اهتمام وتركيز أميركي على إبرام اتفاق مع إيران. والأخيرة ترى أن الظروف تصب في صالحها وليس في صالح الإسرائيليين، خصوصاً أن الاهتمام الغربي والناتو تحديداً يركّز على أوكرانيا، وأميركا تريد وقف الحرب في غزة للتفرغ للملف الروسي الأوكراني. كما يراهن الإيرانيون أيضاً على الخلافات الأميركية الإسرائيلية، بوصفها عنصر إضعاف للآلة العسكرية الإسرائيلية.
لذا، تجد تل أبيب نفسها محرجة جداً في ظل توسيع الضربات من قبل حزب الله، انطلاقاً من جنوب لبنان، وتفاقم أزمة سكان المستوطنات الشمالية، الذين يتهمون الحكومة بالتخلي عنهم وعن الشمال، وسط مطالبات بالعمل على وضع خطة عسكرية لشن حرب واسعة، لا يزال الحزب يستبعدها، لقناعته بانعدام القدرة الإسرائيلية على ذلك. كما لا تزال هناك أجواء تشير إلى أنه في حال عدم إنجاز اتفاق سياسي وديبلوماسي شامل، مع ضمانات دولية وإقليمية لإرساء الاستقرار، من الآن وحتى نهاية تموز.. فإن إسرائيل ستكون مضطرة لتوسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله وربما إلى حرب كبرى.
جزء من هذا التقدير نقلته أوساط ديبلوماسية عربية الى بعض المسؤولين اللبنانيين.