الرئيسيةمقالات سياسيةرياض سلامة من مصرف لبنان الى الاختفاء في الشارقة

رياض سلامة من مصرف لبنان الى الاختفاء في الشارقة

Published on

spot_img

يتردد ان السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا قالت امام مسؤولين لبنانيين ان على الافرقاء انتخاب رئيس للجمهورية قبل تموز المقبل، معقّبة بأن التلكوء سيفضي الى ان يجد لبنان نفسه وحيداً في المجتمع الدولي. بدا التنبيه نصيحة. بيد انه ينطوي على تهديد ايضاً

في تموز ليس انتخاب الرئيس وحده المهم، مع انه كذلك في كل شهر ينقضي منذ 31 تشرين الاول 2022. امرار الشهر يجعل الداخل بلا منصبيْن يحتاج اليهما في كل حين في الآونة الحالية: رئيس الجمهورية وحاكم مصرف لبنان.

المفترض في نهاية تموز نهاية الولايات الطويلة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المستمرة منذ عام 1993 الى الولاية الخامسة منذ 24 ايار 2017. المتوقع قبل الوصول الى اليوم الاخير فيها، ان يكون سلامة غادر لبنان في السرّ الى الشارقة موطىء قدمه في المرحلة المقبلة. بين تركيا والامارات اختار الثانية كي يستقر ويبدأ رحلة جديدة. بالتأكيد لا يترك في خزائن مصرف لبنان أسرار ولاياته الخمس وأخصها اسوأها الاخيرة بعدما عُدّ الى ذلك الوقت صائد الجوائز العالمية و«أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم» او احد افضلهم. يجرجر تاريخه سنوات ابعد من عام 2017، بيد ان الولاية الاخيرة تكاد تكون المحطة النهائية المنتظرة لانهيار النقد الوطني والاقتصاد، وتكشف مذذاك تواطؤ الرجل مع الطبقة السياسية برمّتها. المُحدث غير المسبوق انه سيخرج لوحده من المعادلة بينما شركاؤه الآخرون مستمرون في مواقعهم الى ان يهبطوا. قوته أسراره ووثائقه المخفية في مكان ما على انها بوليصة حياته.

ذات مرة روى المدير العام السابق للامن العام العقيد انطوان دحداح ما أبصره في مكتب ياسر عرفات عندما زاره. لفته دخول احد معاوني القائد الفلسطيني عام 1976 في يده شيك مصرفي. رفض عرفات تسلّمه لأن المبلغ المتضمَّن في الشيك من دولة عربية باسم منظمة التحرير الفلسطينية وليس باسمه الشخصي. أعاده الى حامله كي يُصحّح. عندما سأله دحداح عن سبب رد الشيك المصرفي، اجابه: «اسمي عليه هو بوليصة حياتي». ذلك ما فسّر وضع ثروة «فتح» وأموالها باسمه وحده.
سرّ ذلك الشيك المصرفي كسرّ أسرار سلامة ووثائقه المخبأة بوليصة حياته. من اجل ذلك يذهب الى الشارقة. لا معاهدات ولا اتفاقات تبادل مطلوبين بينها والاتحاد الاوروبي، ولا بينها والولايات المتحدة. ليس مهماً ابداً ان لا يكون بينها وبين لبنان شيء من هذا القبيل لأن السلطات لم تدّعِ عليه ولا في صدد ملاحقته، ولم يسبق ان ساءلته. يكاد لبنان يكون أكثر أمكنته أماناً له ما لم يكن يعيش فيه لبنانيون أهدر الحاكم أموالهم ووهبها الى الطبقة السياسية. في 15 آذار ادّعت عليه وزارة العدل وطلبت توقيفه وحجز أملاكه، بيد انه قدّم دليلاً اضافياً على انه حاكم الجمهورية لا حاكم مصرفها.

بل يكاد يكون تعيين خلف للحاكم المغادر يتقدّم ما عداه في الداخل. لم يعد انتخاب رئيس للجمهورية استحقاقاً في ذاته ضرورياً وحتمياً، بل بات يُقارب من باب لا يمت اليه بصلة، هو استعجال حصوله قبل الوصول الى الاستحقاق الأكثر صعوبة وحاجة وهو تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. ذلك يفترض عدم الاكتفاء بانتخاب الرئيس، وانما المسارعة الى تأليف حكومة جديدة تمثل امام البرلمان وتنال الثقة وتلتئم لتعيين الحاكم الجديد قبل الأول من آب. هو الموعد الذي لا يعود فيه حاكم لمصرف لبنان للمرة الاولى منذ عام 1993.
ليس مألوفاً قبل الحرب اللبنانية ان يكون اسم حاكم مصرف لبنان ملازماً لانتخابات رئاسة الجمهورية. عندما طُرح اسم الياس سركيس للمرة الاولى للرئاسة عام 1970 ليس لأنه حاكم ناجح لمصرف لبنان، بل لكونه الوجه المدني الذي تريد الشهابية العودة من خلاله الى رئاسة الدولة بعد الرئيس شارل حلو. كذلك الامر ترشحه عام 1976، وكان لا يزال الحاكم الممدّدة ولايته، على انه رمز الشهابية الجديدة العائدة. بعد انتخابه رئيساً لم يُحط نفسه برجال الحاكمية وسياسييها المتحلّقين من حولها بل برفاقه الشهابيين القدامى.

منذ اتفاق الطائف صار الحاكم احد المرشحين الطبيعيين المحتملين للمنصب بفضل الفقرة الثالثة في المادة 49 المخصوصة له ولقائد الجيش، تدل عليهما دون سواهما بالاصبع. لذا اضحى طبيعياً لسلامة مذذاك ان يعدّ نفسه مرشحاً طبيعياً وجدياً لكل استحقاق رئاسي. لم يشأه كذلك مرة الرئيس رفيق الحريري ولم يسمِّ الموظف الذي يُبكّل زر الجاكيت امامه. بعده صار اسماً لامعاً في الاستحقاقين التاليين عامي 2008 و2016 قبل ان ينهار السقف على صاحب البيت في الاستحقاق الحالي. احتاج سلامة الى كل المخالفات والارتكابات كي يصل الى ما لم يسعه ان يصل اليه الآن. لذا يسهل فهم مغادرته المتخفية المحتملة والمكان الذي سيقصده. الرجل مُستدعى للمثول امام القضاء الاوروبي ومرجح ملاحقته غيابياً. لا يملك ان يهبط في اي من مطارات الاتحاد الاوروبي.
الى حين الوصول الى موعد نهاية الولاية، تبدو الخيارات المتاحة للحؤول دون الوقوع في شغور حائرة ومُحيِّرة:

1 – كما ان لا فراغ في رئاسة الجمهورية بحلول مجلس الوزراء وكالة في صلاحياته، كذلك في حاكمية مصرف لبنان يحل النائب الاول محل الحاكم عند انتهاء ولايته عملاً بالمادة 25 في قانون النقد والتسليف المنفذ بمرسوم والصادر في الاول من آب 1963، الى ان يصير الى تعيين خلف.

بين نائب حاكم أول ونائب حاكم ثانٍ وتعيين مستعصٍ في مجلس الوزراء

2 – بعدما قال رئيس البرلمان نبيه برّي انه لن يسمح للنائب الاول للحاكم، الشيعي، وسيم منصوري الحلول في منصب الحاكم عند انتهاء الولاية، بات المحسوب ان يحل النائب الثاني للحاكم السنّي سليم شاهين فيه.

3 – في بعض الاوساط القانونية الواسعة الاطلاع يدور التفكير من حول اقتراح مبكر يتوخى تجنّب الشغور في حال تعذر تعيين مجلس الوزراء حاكماً جديداً. بيد ان الاقتراح هذا يوجب موافقة سلامة اولاً. مفاده الانطلاق من المادة 27 في قانون النقد والتسليف بغية ادماج التغيب بالشغور. ما تنص عليه المادة 27، المقتصرة على الغياب، ان يصير الى اصدار الحاكم قبل نهاية ولايته بتكليف نائبه الاول الشيعي او نائبه الثاني السنّي الحلول محله اذا امتنع الاول او رفض ويفوض اليه صلاحياته. قرار كهذا بصدوره في خلال الولاية قانوني. على ان انقضاءها دونما انتخاب خلف وتبعاً لقاعدتيْ استمرار المرفق العام والضرورات تبيح المحظورات يمسي واقعياً، وان يفتقر الى قانونية جرّد جزءاً اساسياً منها انتهاء الولاية. الاجتهاد الوحيد المتاح عندئذ هو تفريق الغياب الموقت عن الشغور المشوب بقلق الاستمرار على غرار الرئاسة الاولى.
4 ـ الحل الامثل والمنطقي تعيين حاكم جديد في مجلس الوزراء بغالبية الثلثين. معضلتان تقيمان هنا: اولاهما تعذّر موافقة حزب الله على تسمية حاكم ماروني لا يحظى بموافقة الافرقاء المسيحيين على نحو ما يُصوَّر ترشيح الثنائي الشيعي سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية في مواجهة الكتل المسيحية الكبرى المعارضة له. ثانيتهما تعويض التجاهل المسيحي بالحصول على موافقة النائب جبران باسيل على مشاركة وزرائه في جلسة لمجلس الوزراء لتغطية النصابين الدستوري والسياسي للتعيين. يفترض ذلك مشاركة باسيل كذلك في الموافقة على المرشح للمنصب. الاهم ان حضور وزرائه يُقوّض الموقف السياسي المتشدد الذي اتخذه منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون بطعنه في شرعية تولي حكومة مستقيلة صلاحيات رئيس الجمهورية وانكاره حقها في ممارسة الحكم والاجتماع.

أحدث المقالات

قرار مجلس الأمن إنذار أميركي أول لإسرائيل؟

تثبت مجريات الأحداث من غزة إلى جنوب لبنان، واستمرار الاعتداءات الاسرائيلية، كأنّ قرار مجلس...

هل يُسلّم البيطار ملفّه لمدّعي عام التمييز؟

من موقعه القضائي كرئيس لمحكمة التمييز الجزائية كان القاضي جمال الحجّار يتابع مراحل التحقيقات...

“الاشتباك” الأميركي الإسرائيلي: نتنياهو يهدد المنطقة

قراءات متناقضة يمكن تسجيلها في السلوك الأميركي لحظة قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف...

The Masterpiece

All angels in heaven made a design . They asked god to keep it an...

المزيد من هذه الأخبار

“المجلة” تنشر نص “اتفاق باريس” بين إسرائيل و”حماس”… تحويل الهدنة إلى حل سياسي من ثلاث مراحل

تكثف دول كبرى وإقليمية، جهودها لتحويل مجموعة من الأفكار إلى خطة عمل بمراحل محددة...

بداية حل الأزمة المصرفية توصيفها

التوقّف عند أرقام الخسارة والفجوة الماليّة، والعودة بالتاريخ إلى الوراء في محاولة لإعطاء حياة...

بكركي تملأ الفراغ المسيحيّ بطاولة مستديرة ووثيقة سياسيّة

مع صعوبة عقد طاولة حوار للقيادات المسيحية في بكركي كما اقترح رئيس التيار الوطني...

باسيل المهمّش والمهشم (1) إنعاش “المارونية السياسية” لتعويم نفسه مسيحياً

منذ انتهاء ولاية العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في 31 تشرين الأول 2022،...

البطريرك الراعي: الرئيس لا يُنتَخَب في صالون المجلس

مجرّد صدور الدعوة إلى تلاقي القيادات المسيحية في بكركي “حماية للوجود المسيحي والشراكة المتناصفة...

اللجنة الخماسية: خارطة طريق السفراء

يقول سفراء اللجنة الخماسية المعنيّة بالملفّ اللبناني إنّهم يعملون على رسم ملامح خريطة طريق...

مداراة غربية لطهران.. لا تفاهمات نووية قبل الإنتخابات الأمريكية

لا أحد يملك جواباً حاسماً حول مآل المفاوضات الأميركية الإيرانية في سلطنة عُمان، في...

ما بين نيويورك والدوحة: رفح وبيروت تنتظران “لحظات حرجة”!

ما بين أروقة الأمم المتحدة وقطر اكثر من جديد متوقع، وابرزه يقود الى مشروع...

الدولة الفلسطينية إنقاذ أم خديعة؟

مثل مفاجأة الحرب، جاءت مفاجأة الدولتين. كلّ العالم يريد وقف النار، والمساعدات، والعمل على...

“طاولة برّي” لن تنعقد والراعي لن يُلَبّي نداء باسيل!

لا أحد قادر حتى الآن على تقدير “الكلفة” العسكرية والبشرية والسياسية لإبقاء “جبهة المساندة”...

“بورصة” الحرب الإقليمية يتلاعب بها الجموح الإسرائيلي و”الدهاء” الإيراني

لا خيار إلا تشبيه مسار الحرب على غزة، وانعكاسها على الساحة اللبنانية، بـ”البورصة” أو...

جواب ديبلوماسي على المبادرة الفرنسية لم يخرج عن “المبدئية”

لا يمكن المقارنة بين تأثير الورقة الفرنسية التي تقدمت بها فرنسا إلى لبنان والمتعلقة...

حكومة محمد مصطفى في فلسطين: إدارة الحرب… أو الحلّ؟

قبل أن يعهد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى محمد مصطفى تشكيل حكومة، كان يصعب...

الحــزب: عون غيّر رأيه.. ولم نَعِد باسيل بشيء

هل يمكن لأيّ تسوية رئاسية أو سياسية مقبلة أن تأتي فوق ركام علاقة التحالف...

اللحظة المناسبة لـ”الحــزب” والمعارضة: تسوية تقطع طريق الحرب الإسرائيلية

يقول التقرير الذي نشرته وكالة “رويترز”، عن اللقاء بين أمين عام حزب الله، السيد...