منذ قيامها بعملية «طوفان الأقصى» تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لحملاتٍ بدأت من الكيان الإسرائيلي والإدارة الأميركية باتهاماتٍ لم تصمد طويلاً كونها كانت مبنية على الدعاية الإسرائيلية لاعتقاد مطلقيها خطأً أنّ بإمكانهم وصم الحركة بالداعشية فسقطت ادعاءات قتل الأطفال واغتصاب النساء… كما تعرّضت سياسةُ «حماس» لانتقادات عنيفة من الأوساط القريبة من الأنظمة العربية، منها ما هو منطلِق من رفض توجهات «الإسلام السياسي» أو «الإخوان المسلمين»، ومنها ما يرى خطأ «حماس» في تقدير عواقب عملية بهذا الحجم ومستوى الردّ الإسرائيلي عليها. أمّا في لبنان فإنّ النقد للحركة انطلق من رفض قيامها بأعمال عسكرية في جبهة الجنوب ومن التخوّف من انفجار الصراع في المخيمات الفلسطينية أو احتمال انزلاق الحركة إلى الدخول في الصراع الداخلي انطلاقاً من تحالفها مع «حزب الله» في استعادة لتورّط منظمة التحرير في الحرب الأهلية.
مصدرٌ قيادي في حركة «حماس» فتح النقاش حول هذه العناوين عبر «نداء الوطن» معتبراً هذه المطالعة رسالة مباشرة للقوى السياسية والاجتماعية للتعامل معها على أساس ما تتضمّنه من رؤية الحركة للواقع اللبناني ولعلاقتها بالقوى السياسية فيه ولعلاقتها بالمسيحيين في فلسطين ومشاركتهم في الحياة السياسية وموقفها من المقدسات المسيحية والإسلامية.
يُذكِّر المصدر بأنّ عملية «طوفان الأقصى» جاءت بعد 17 عاماً من القتل والحصار الذي فرضه الاحتلال على قطاع غزة، فكان من الضروري توجيه ضربة تقصم ظهر الاحتلال. كما أنّ وجود آلاف الأسرى في السجون من دون وجود أفق لتحريرهم استوجب أسر أعداد من الإسرائيليين لتبييض السجون، مع الإشارة إلى أنّ عدد الأسرى يبلغ 6 آلاف، ينتمي 1500 منهم إلى «حماس» والبقية إلى حركة فتح وفصائل أخرى، فالخطوة هنا ليست حزبية، بل ترتبط بنضال الشعب الفلسطيني ككل، والأهمّ هو وضع حدّ لتجاوز الاحتلال الإسرائيلي للمقدسات الإسلامية والمسيحية: المسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وقد أكّدت ذلك في محطات تاريخية متتابعة، منها العام 2021 الذي كان عام الاعتداءات المتزامنة على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
يوضح المصدر أنّه في انتخابات العام 2006 ترشحت ثلاث قوائم عن القدس: «حماس» و»فتح» ومستقلون (اليسار الفلسطيني)، وقد ترشّح ثلاثة مسيحيين على لائحة «حماس» نظراً لرمزية المدينة، وقد فاز المرشحون الثلاثة على اللائحة التي نالت 90% من أصوات مسيحيي القدس و70 % من أصوات المسيحيين في عموم فلسطين صبّت لصالح «الحركة» أيضاً، وكذلك في رام الله والبيرة وبيت لحم ومدينة غزة التي تضمّ 10 آلاف مسيحي هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني وهم داعمون للحركة وعلاقتهم بها مميزة مبنية على التضامن الوطني كما هي الحال في كلّ فلسطين حيث لا توجد إشكالية طائفية بين أهلها.
يؤكِّد المصدر القيادي في «حماس» استقلالية الحركة في قرارها السياسي والميداني مذكِّراً بأنّه قبل 7 أكتوبر وقعت مواجهتان قامت بهما «حركة الجهاد الإسلامي» بقرار خارجي لم تنخرط فيهما «حماس» لأنّ القرار لم يكن فلسطينياً ولم تجد الحركة في ذلك مصلحة وطنية، لأنّ المعركة يجب أن تُخاض تحت عنوان كبير كالمقدسات والأسرى فلا يمكن أن نفتحها أو نشارك فيها وندفع أثمانها الباهظة، كما ردّت «الحركة» على مواقف مسؤولين إيرانيين اعتبروا عملية «طوفان الأقصى» ثأراً لقائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني.
ويلفت المصدر إلى أنّ «حماس» ملتزمة بأن تبقي المعركة مع الكيان الإسرائيلي داخل فلسطين رغم تلقيها ضربات خارجها وعملها العسكري في لبنان يندرج ضمن المعادلة الحكومية وبالتنسيق مع لاعب لبناني أساسي لديه غطاء حكومي ويعمل وفق قواعد الاشتباك.
رؤية لبنانية موحدة للجوء
يلفت المصدر إلى أنّه كانت لحماس مساهمة واضحة في الوصول إلى «رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان» التي أعلنتها في 20 تموز 2017 مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين التي تشكلت في إطار لجنة الحوار الوطني اللبناني الفلسطيني وبمشاركة أعضاء المجموعة الممثلين لسبع كتل برلمانية هي: «حزب الله»، «تيار المستقبل»، «التيار الوطني الحر»، «القوات اللبنانية»، «الحزب التقدمي الاشتراكي» وحركة «أمل»، بمشاركة هيئة العمل فلسطيني المشترك التي تضمّ منظمة التحرير والتحالف، وكان العديد من بنود هذه الورقة منطلقاً من أفكار قدّمتها «حماس»، وقد تضمّنت توازناً بين الحقوق والواجبات، ورفضت النظر إلى الشعب الفلسطيني من منظور أمني فقط، بل هناك بُعد سياسي وإنساني واجتماعي وثقافي ينبغي أخذه في الاعتبار عند مقاربة الوضع الفلسطيني.
وإذْ يشيد المصدر بموقف النائب أشرف ريفي الذي أنصف «الحركة» ورفض وصمها بالإرهاب وأنّها حركة مقاومة وتحرير وطني، أكّد أنّ حماس تعمل على تنقية الذاكرة من آثار الحرب الأهلية اللبنانية بكلّ أبعادها، ففي كلّ مراحل الصراع الداخلي منذ العام 2005 عملت على منع أن تكون المخيمات منطلقاً لضرب الاستقرار والأمن في لبنان ورفضت أن تكون صندوق بريد لأحد، وساهمت في إرساء علاقة مميزة مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وعلى رأسها مخابرات الجيش وتعاونت في ملفات كثيرة، لافتاً إلى أنّ «حماس» تعتبر أنّ هناك ملفين يشكلان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه:
ــ الملف الأول: ملف العمالة والاختراق الإسرائيلي وهو موضع تعاون مع الدولة اللبنانية.
ــ الملف الثاني: هو الإرهاب. فـ»حماس» تعتبر أنّه شديد الخطورة على الجميع، لذلك تتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمكافحة تسلّل هذه الظاهرة إلى المخيمات، وكانت لها مساهمة جدية في هذا المجال، منها اعتقال المتهم الفلسطيني في ما سُمّي «خلية بكفتون» في مخيم البداوي وتسليمه للجيش اللبناني وهو كان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من أعضائها والذي كشف الكثير من المعلومات حول حقيقة عمل تلك الخلية.
يؤكد المصدر أيضاً أنّ «حماس» ملتزمة بالقانون وهذا ما أكّده سلوكها عندما خسرت ثلاثة من قياداتها في مخيم البرج الشمالي فإنّها لجأت إلى القضاء اللبناني ولم تلجأ إلى الثأر وفتح المواجهة في المخيمات.
يُبدي المصدر القيادي في «حماس» تفهّمه لوجود معارضة لتوجهات الحركة في ظلّ التنوع اللبناني ويؤكّد أنّ الحركة منفتحة على الحوار مع الجميع حول الواقع الفلسطيني لتوضيح رؤيتها والإفادة من آراء المؤيدين والمعارضين على حدٍ سواء والبناء عليها للمرحلة المقبلة.