قال وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، قبل ساعات من الغارة الإسرائيلية على بعلبك، إنّ إسرائيل ستواصل حربها على لبنان حتى في حال إقرار هدنة في غزّة. هذا الواقع الجديد الذي يفرضه الإسرائيلي يضع الحزب أمام تحدٍّ جديد في الداخل اللبناني الرافض للحرب. تزامناً تصل الرسائل الدبلوماسية تباعاً محذّرة من حرب وشيكة ما لم يجلس الحزب إلى طاولة التفاوض. وهذه المرّة ميشال عون والعونيون ليسوا مع الحزب، كما كان الأمر في حرب تموز 2006. هذه المرّة الحزب وحدَهُ.
تماماً كما نشر “أساس” في مقال سابق من أنّ اسرائيل ستذهب أبعد من الحزب في حسابات الحرب… ها هي إسرائيل تؤكّد أنّ وقف الحرب على لبنان لا يرتبط بوقف الحرب على غزة. وذلك على عكس ما قاله الأمين العامّ للحزب، بل هي مرتبطة بما سمّاه غالانت “استسلام الحزب”.
الغارات الإسرائيلية التي لا حدود لعمقها لن تتوقّف ما لم يجلس الحزب إلى طاولة المفاوضات. هذا ما كشفت عنه مصادر سياسية متابعة لـ”أساس”. فالرسائل الدبلوماسية التي تصل إلى لبنان لم تعد تتحدّث عن السعي إلى تطويق احتمالات شنّ حرب على لبنان، بل أخذت تتحدّث عن الحرب المقبلة “حتماً” بعد نهاية العدوان على غزّة.
لبنان
الكونغرس أوصل الرسالة لبرّي
كشفت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” أنّ السفيرة الأميركية ليزا جونسون كانت واضحة في كلامها عن احتمالين: “تطبيق القرار 1701 بالدبلوماسية أو تطبيقه بالقوّة العسكرية”. وبلغة دبلوماسية قال الكلام نفسه وفد الكونغرس الذي زار لبنان، وتحديداً للرئيس نبيه برّي.
هذا في العنوان، وأمّا في التطبيق فيدرك الجميع أنّ مأزق لبنان يكمن في الضغط الدولي على الحزب للتراجع إلى شمال الليطاني هو وسلاحه الثقيل، بغضّ النظر عن حرب غزّة. في المقابل لا إقرار بحتمية تزامن ذلك مع انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلّة. وبالتالي فإنّ الحزب عالق في طريق لا عودة منه، ويقود إلى الحرب، على الرغم من موقفه المبدئي بأولوية المصلحة اللبنانية فوق كلّ اعتبار.
مصادر دبلوماسية لـ”أساس” : السفيرة الأميركية كانت واضحة في كلامها عن احتمالين: “تطبيق القرار 1701 بالدبلوماسية أو تطبيقه بالقوّة العسكرية”
كشفت مصادر فرنسية دبلوماسية لـ”أساس” أنّ الهامش يضيق لكنّه لم يقفل بعد أمام الجلوس إلى طاولة المفاوضات. في المقابل وصلت رسائل عدّة إلى الحزب بأنّ هوكستين الذي طمأن في مكان ما حارة حريك بطرحه، لا يمكن له أن يجتهد في مقاربات بعيدة عن السياسة الأميركية. وبالتالي تمنع واشنطن حصول حرب إسرائيلية على لبنان كبلد. لكنّها في المقابل لن توقف شنّ إسرائيل هجمات على الحزب ما دام الأخير لم يقُل كلمته بعد في مفاوضات الحدود، بل مستمرّ في ربط لبنان بغزّة.
قالت مصادر مطّلعة على موقف الحزب إنّه عالق في مكان لا عودة فيه إلى الخلف. لكنّه في الوقت عينه لا يريد توريط لبنان بحرب مدمّرة، لا سيما بعدما فقد آخر المظلّات المسيحية انطلاقاً من الموقف الأخير لحليفه في تفاهم مار مخايل الغابر: ميشال عون.
التيّار للحزب: أوقفوا الحرب اليوم
على هامش هذا المشهد الخارجي المقلق، مشهد داخلي أكثر تعقيداً. فالتيار الوطني الحرّ، حليف الحزب الذي سانده خلال حرب تموز يوم كانت البلاد منقسمة، والذي سانده في حرب سوريا يوم كانت البلاد أكثر انقساماً… يحمل اليوم موقفاً جديداً ونوعيّاً لجهة ارتفاع سقفه. فنواب التيار طالبوا الحزب بالتوقّف فوراً عن إطلاق الصواريخ والتجاوب مع المبادرات الدولية لتطبيق القرار الأممي 1701. فهل يستطيع الحزب وحده تحمّل مسؤولية جرّ لبنان إلى الحرب؟
سؤال مباشر يطرحه نواب التيار داعين الحزب إلى إجراء حوار داخلي، في إشارة إلى أنّه ذهب إلى إطلاق الرصاصة الأولى بعد حرب غزّة، من دون استشارة أحد.
في خطابه الأخير قال الأمين العامّ للحزب إنّ هناك مسيحيين في لبنان يدعمونه في خياره. بعد أيام جاءه الردّ مباشرة من حليف السنوات الطوال منذ عام 2006، حتى انتهاء عهد الرئيس عون وبداية الخلاف على رئاسة الجمهورية. جاءه الردّ قويّاً ليقول إنّ آخر المظلّات المسيحية سقطت. وإنّ حجّة مساندة غزة ليست منطقية. وإنّ الحرب الاستباقية لن تردّ العدوان الإسرائيلي عن لبنان، بل ستعطيه ذريعة إضافية.
مصادر مطّلعة: الحزب عالق في مكان لا عودة فيه إلى الخلف. لكنّه في الوقت عينه لا يريد توريط لبنان بحرب مدمّرة
ميشال عون: ليس واجبنا الدفاع عن غزّة
هذا ما صدر عن رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. فهو قال التالي: “لسنا مرتبطين مع غزّة بمعاهدة دفاع. ومن يمكنه ربط الجبهات هو جامعة الدول العربية. لكنّ قسماً من الشعب اللبناني قام بخياره. والحكومة عاجزة عن أخذ موقف. والانتصار يكون للوطن وليس لقسم منه“. وأضاف: “القول إنّ الاشتراك بالحرب استباق لاعتداء إسرائيلي على لبنان هو مجرّد رأي. والدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر بل يزيده“.
لا يُحسد الحزب على موقفه، لا داخلياً ولا خارجياً. وهو الذي يخسر كلّ يوم أبرز قياداته الميدانيين، يجد نفسه عالقاً في حسابات لم يعد يتحكّم بها. حسابات الحزب دخل فيها لبنان كلّه وبات في سباق بين الحرب والمفاوضات. وحتى يحين ذلك لن توفّر الغارات الاسرائيلية فرصة لتضرب أيّ هدف تراه مناسباً لأجندتها أينما كان على الأراضي اللبنانية. ولن تتوقّف عن هذه الرياضة اليومية في سماء لبنان، من جنوبه إلى بقاعه… حتّى حين تبرد النيران في غزّة، على ما يقول المسؤولون الإسرائيليون.