إنها حرب “الهيبة” في الشرق الأوسط. وحرب بين المشاريع المختلفة. سرعان ما ظهر التضافر الغربي إلى جانب إسرائيل في مواجهة ايران. كل الضربات التي نفذها الإسرائيليون والأميركيون ضد الإيرانيين في السنوات الماضية، منذ اغتيال قاسم سليماني، كان هدفها نزع الهيبة الإيرانية.
وصلت إيران إلى قناعة أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار من دون ترميم الصورة واستعادة الهيبة، وإلا ستكون التداعيات السلبية سريعة جداً. في هذا السياق، يندرج الرد الإيراني على إسرائيل بهذه الطريقة الاستعراضية والنوعية والأولى من نوعها، في خانة استعادة الهيبة. صحيح أن الضربة جاءت بعد مفاوضات، وأن الأميركيين أخطروا بالموضوع، ما يجعل معركة استعادة الهيبة متركزة على إسرائيل، ودول المنطقة والداخل الإيراني.
ضد الدول العربية
جزء من الهجوم الإيراني فيه جانب استعراضي، ولكن الجزء الأبرز هو تأكيد إيران القدرة على الوصول إلى كل إسرائيل، خصوصاً أن الأهم من إطلاق المسيرات هو إطلاق الصواريخ المجنحة، وبذلك تقول إيران إن طائراتها وصواريخها بإمكانها أن تغزو سماء الشرق الأوسط ككل، لا سيما أن إسرائيل تمتلك دفاعات جوية كبيرة، ولديها حلفاء يهبون للدفاع عنها، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، فيما الدول الأخرى في المنطقة لا تمتلك هذه الدفاعات، وعليها أن تقرأ هذه الرسائل بوضوح. ومن هنا، كانت التهديدات الإيرانية الواضحة للأردن بتحذيره من رد الفعل، بسبب مشاركته في إسقاط المسيرات والصواريخ. وكأن الرسالة يراد لها أن تصل إلى أبعد من المسامع الأردنية. ما يعني أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية ستكون ذات فعالية كبرى ضد الدول العربية بالتأكيد. ولكن ذلك لم يظهر ضد اسرائيل. أما في النقاش حول الفعالية، فإن إسرائيل في كل عملياتها ضد أهداف إيرانية خارج إيران أو داخلها، كانت إما عبر طائرة مسيرة أو طائرة حربية واحدة، وكانت ذات فعالية أكبر، وحققت من خلالها نتائج اغتيال أو تدمير، بخلاف إيران، التي لجأت استخدام مئات الصواريخ والمسيرات ومن دون تحقيق نتائج لهذه الأهداف.
هدف إيراني آخر جرى تحقيقه، وهو إثبات حضورها على مستوى المنطقة، واستدعاء الأميركيين للدفاع عن اسرائيل، ما يعني وضع طهران لنفسها في مواجهة الأميركي.
قرار نتنياهو
الأكيد أن هذه العملية لا ترقى إلى مستوى التهديدات الإيرانية السابقة، التي كانت تشير إلى ازالة إسرائيل من الوجود. وأيضاً، فإيران لم تكن تريد الذهاب إلى معركة أو مواجهة أكبر، طالما أعلنت قبل وصول المسيرات والصواريخ أن عملية الردّ قد انتهت، فيما رمت طهران الكرة في ملعب إسرائيل ونتنياهو شخصياً.
فمعلوم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يعد لديه إلا خيار الاستمرار في الحرب والمواجهة وإطالة أمدها وتوسيعها قدر الإمكان. واشنطن هي التي تضغط لعدم التوسيع كي لا تُستدرج. ما سيطرح تساؤلات كثيرة حول ما سيقرره نتنياهو، وإذا كان سيرد بشكل عسكري على إيران، بالطريقة الاستعراضية نفسها، أم سيتجه إلى استئناف عملياته الأمنية أو الموضعية ضد أهداف ايرانية. سيكون نتنياهو أمام خيار التصعيد والتوسيع، إما مع إيران وإما في غزة ولبنان. فبقاؤه مرتبط بالحرب واستمرارها وتصعيدها.
اليوم التالي
منذ شن الحرب الإسرائيلية على غزة، تركّز السؤال حول اليوم التالي. أما اليوم فقد أصبح السؤال هو حول اليوم التالي بعد الضربة الإيرانية لإسرائيل. لا سيما أن نتنياهو يريد أن يسهم في تغيير النظرة الأميركية تجاه إيران، واعتبارها تهديداً لا شريكاً محتملاً يمكن التعاون والتفاهم معه. وهو ما كان يسعى إليه منذ عهد أوباما في البيت الأبيض وتوقيعه للاتفاق النووي.
راهناً، جدد العالم الغربي دعمه لإسرائيل، بينما يتم تثبيت الوجود الأميركي في المنطقة لحماية إسرائيل، واستعاد نتنياهو الدعم الأميركي. إذ عاد وحوّل نفسه من جزّار في غزة، إلى مستهدف من قبل إيران، وأن إسرائيل تعيش مع تهديد وجودي لا بد للغرب من أن يعود إلى احتضانه ودعمه لبقائه واستمراره، وفقاً لقناعة إسرائيلية وغربية أنه لا يمكن لإسرائيل أن تُهزم، لأن هزيمتها ستكون هزيمة للمشروع الغربي ككل في منطقة الشرق الأوسط.
في هذا السياق، فإن إسرائيل التي استعرضت قدرتها على تحشيد حلفائها ودفعهم للدفاع عنها، في سبيل إسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية ومنعها من الوصول إلى اهدافها، أعادت إظهار هيبتها، وسط استمرار الصراع على هذه الصورة بينها وبين إيران. أما بعد ما جرى، فالأكيد أن نتنياهو الذي يتلقى نصائح أميركية بعدم الرد على إيران، سيستغل ذلك للرد بشكل أكبر في غزة وفي لبنان وفي غيرها من الدول العربية.