خارج الثلاثي الشهير المرشح لرئاسة الجمهورية (النائب ميشال معوض، قائد الجيش جوزف عون والوزير السابق سليمان فرنجية)، تتداول أوساط لبنانية ودولية قائمة من 4 أو 6 أسماء وازنة قادرة – في شكل أو آخر – على جمع الأصوات الـ 65 اللازمة للفوز بالانتخابات الرئاسية في حال انعقدت في الأساس.
من هذه القائمة حضر اسم د.جهاد أزعور (وزير المال الأسبق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي)، وكان اسمه قد ظهر للمرة الأولى في هذا الاستحقاق من خلال المبادرة التي ذهب بها الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومع ارتفاع حظوظه أخيراً انطلقت حملة مبرمجة ضده في وسائل إعلام لبنانية تستهدف حرقه سياسياً ورئاسياً موضوعها: إنه مرشح جبران باسيل رئيس “التيار الوطني الحر”، وإنه التقى مسؤولين من ميليشيا “حزب الله” وقدم لهم الوعود والضمانات بأنه سيكون طوع أيديهم.
تحدث كثر في هذه الحملة إلا صاحب الشأن نفسه، أي أزعور الذي يمنعه منصبه الدولي من التحدث في الشأن السياسي اللبناني المحلي، وربما كان هذا سبب نجاح الحملة. أزعور لم يرشح نفسه للرئاسة، بل رشحه غيره، وفوق ذلك – وفق أوساط مقربة منه – لم يجرِ هو أي اتصال سياسي بأيّ فريق لبناني، فإذا كان لم يجرِ أي تواصل سياسي مع الذين رشحوه، فلن يتواصل مع المعترضين – إذا وجدوا – وعلى رأسهم “حزب الله” وباسيل (يتواصل أزعور بحكم منصبه الدولي مع شخصيات رسمية لبنانية على الدوام).
ووفق الأوساط نفسها، لا توجد أي علاقة مباشرة بين أزعور و”التيار الوطني الحر” ورئيسه، والحديث عن شراكة بين شقيق أزعور وباسيل لا يقوم على منطق، فالذمة المالية لجهاد أزعور مستقلة عن ذمة شقيقه ولا توجد بينهما أي شراكة في الداخل أو الخارج، كما أن المرء مسؤول عن أفعاله وخياراته لا أفعال الأشقاء وبنات العم وأولاد الخال.
الأهم في هذه النقطة، أن أزعور في مسيرته السياسية، وفي غالب مواقفه، أقرب إلى حزب “القوات اللبنانية” وبالتحديد في ما يتعلق باستقلال لبنان وليبراليته سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فابن سير الضنية الذي نشأ وترعرع في جبيل، تدرب عسكرياً على يد سمير جعجع نفسه، إنه يذكر كلقطة سينمائية مشهد وصول “الحكيم” إلى مدرسته الجبيلية “مار يوسف” يرافقه في “الفولفو” البيضاء نادر سكر، كان التدريب إلزامياً لكل طلاب الصف النهائي بناء على قرار بشير الجميل في المناطق التي تحت سيطرته، لكن أزعور لم يشارك في الحرب مطلقاً عن قناعة.
في جلساته الخاصة، يلوم أزعور منتقدي “القوات” إذا وضعوها على قدم المساواة مع “التيار الوطني الحر” الذي غطى السلاح غير الشرعي وعمل في صورة ممنهجة ومتعمدة على تدمير لبنان ونهبه، ربما تأثر أزعور بشعارين راسخين لبشير الجميل: “لبنان أولاً” و”10452 كيلومتر مربع”.
غير أن أزعور ليس قواتياً أبداً ولم ينضم إلى أي حزب في حياته، مثله الأعلى في السياسة هو العميد الراحل ريمون إده، وقد شاهد وهو صغير في التاسعة من عمره مشاهد عنف وسقوط ضحايا في جبيل بين كتائبيين وكتلويين، ومن الصور التي لا ينساها في حياته صورة من نافذة منزل جان حواط (عم النائب القواتي الحالي زياد حواط والأمين العام لحزب الكتلة الوطنية آنذاك) عند وصول العميد ريمون إده إليه عائداً من تعزية بضحايا في الجرود ليتعرض العميد بعد ذلك لإطلاق نار على سيارته بين نهر ابرهيم والعقيبة وينجو منها. لكن السياسي المحبّ لإده يندهش حين يقارنه عارفوه بالياس سركيس.
لا يعرف كثيرون أن خال أزعور هو الوزير والنائب الشهير الراحل جان عبيد، تلك القرابة جعلت له مكانة خاصة عند أصدقاء خاله كالرئيس نبيه بري وجنبلاط، لكنها كذلك جلبت له خصومات الخال الذي جمعته به قرابة الدم لكن فرقتهما السياسة زمن المثاليات ومطالع الشباب، كانت أبعد شخصية سياسية لأزعور هي وزير المال فؤاد السنيورة، لكن خاله قال له: “إنه ليس كما تتصور وليس كما تسمع، تعرف عليه واحكم بنفسك”.
لاحقاً سيقوم أزعور بأبحاث تتّصل بالاقتصادات الصاعدة واندماجها في الاقتصاد العالميّ في جامعة “هارفرد”. وأتى به جورج قرم إلى وزارة المال حين كان وزيراً للمال (1998 – 2000)، فكان مديراً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في الوزارة. وبعد عودة الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة عام 2000 وتعيين فؤاد السنيورة وزيراً للمال بقي أزعور في منصبه وتعرف عليه. لذلك بعد تسمية السنيورة رئيساً للحكومة اختار أزعور وزيراً للمال (2005 – 2008)، فكانت المرّة الأولى التي يخرج فيها الرجل إلى دائرة الضوء على الرغم من أنّه ليس رجل أضواء.
اكتشف أزعور أن خاله كان على حق في كلامه على السنيورة، وبسبب نزاهة الحكومة وكفاءتها مالياً واقتصادياً، وأيضاً بفعل خبرة أزعور السابقة مع الأمم المتحدة (إدارة مشاريعها في لبنان) وتأسيسه العلمي المتين وخبراته العملية الناجحة ونظافة كفه المشهودة، كان انتقاله طبيعياً إلى صندوق النقد الدولي.
ولكن جانب الطرافة والذكاء في الحملة لربط أزعور بـ”حزب الله” أن أصحابها ختموها بأن الحزب لم يقبل ضمانات أزعور، وبالتالي لا يمكن مساءلة الحزب ولا أزعور عن حقيقتها وتبعاتها، ومن المفهوم والمعتاد أن لا تنسجم الميليشيات الايرانية وأتباعها في الطوائف الأخرى مع الشخصيات الوطنية والمحترمة ذات الأبعاد الدولية، لكن غير المفهوم للنخب اللبنانية بالذات أن لا يحصل الانسجام بين أبناء الخط السيادي الواحد بسبب شائعة أو معلومات منقوصة.
تنفي أوساط مقربة من أزعور تماماً لقاءه بمسؤولين في ميليشيا “حزب الله” وتقديم التنازلات والضمانات لهم، فهو لم يرشح نفسه للرئاسة، وإذا كان مرشحاً فلا يعيبه أن يلتقي الناخبين (النواب) كما التقى وتفاهم ميشال عون قبل انتخابه مع د.سمير جعجع ثم الرئيس سعد الحريري، لكن الفارق بين أزعور وعون، أن أزعور الوزير في الحكومة الأكثر سيادية في تاريخ لبنان لا يؤمن بضمانة يقدمها للآخرين سوى احترام الدستور والتمسك به ورفض البدع التي دمرت مضمونه وغايته، وتقديس سيادة لبنان واستقلاله وعروبته وسلامة أراضيه وشعبه ووحدتهما، ولا يقبل التنازل عن مبادئه من أجل المناصب، ولا يخلف وعده، ويرى أن جوهر دور رئيس الجمهورية وجوهر فكرة التوافق هو تقديم الدستور والقوانين على الهوى الشخصي والرأي السياسي، ورجل بهذه المواصفات من الصعب جداً – وربما من المستحيل – أن يصبح رئيساً، إنه من البقية الباقية من 14 آذار، مستقل، صلب، سياديّ، عروبي، عالم، معتدل، يحترم مقام رئيس الحكومة ولا ينظر إليه بحقد وكيدية، يبغض الطائفية والفساد، يؤمن بثلاثية “الدستور – الشعب – الجيش” وبحق الدولة الحصري في اتخاذ قراري السلم والحرب وامتلاك قوة الإكراه المشروع، يتابع الشأن السياسي بتفاصيله على مستوى الشرق الأوسط وامتداداته الدولية، وأساس عمله في صندوق النقد مساعدة الدول المنهارة مالياً واقتصادياً في استعادة عافيتها. ولأن لبنان يحتاج إلى شخصية كهذه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخه سوف يعرقله الصديق والعدو، ثم يعض الجميع أصابع الحسرة والندم بعد فوات الأوان، لأنه المرشح الوحيد – وفق عارفيه – الذي تحظى رؤيته الاقتصادية باحترام دولي وتقوم على تمكين المودعين اللبنانيين من حقوقهم وأموالهم، وهذه هي ورقة أزعور الرابحة التي لا يملكها – إلى الآن – سواه.
هذه المقالة ليست لقاء مباشرا، بل جُمعت عناصرها بطريقة الصحافة الإستقصائية وبالأسلوب الصحافي لكاتبها وعلى مسؤوليته، فاقتضت الإشارة.