لن تُشكّل “جبهة” التوتّر المفتوحة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم، على الرغم من لقاء المصالحة في السراي، على القرار المُتّخذ على صعيد إتمام التعيينات العسكرية، أقلّه على مستوى رئاسة الأركان والمُتوقّع أن تحصل نهاية كانون الثاني المقبل. يبدو التعيين كـ “ملحق” أساسي للتمديد لقائد الجيش، وثمّة رغبة دولية أيضاً ضاغطة، لكن مستترة، بحصوله لـ “ترييح” جوزف عون و”إطلاق سراحه” في جولاته الخارجية.
هكذا تُصبِح جولات الملاكمة “على الخفيف” بين ميقاتي ووزير الدفاع، وإشكالية من طلب اللقاء ومن اعتذر ومضمون “الديل” بين الرجلين، أموراً تفصيلية أبرز ما فيها الهويّة السياسية للوسيط، أي وزير الثقافة محمد بسّام مرتضى المفترض أنّه من حصّة الرئيس نبيه بري في الحكومة لكنّ أداءه الوزاري نصّبه ناطقاً باسم الحزب على طاولة مجلس الوزراء. كما ظَهر حجم اهتمام الحزب برأب الصدع بين ميقاتي وسليم صاحب التوقيع “الذهبي” على الأسماء المُرشّحة للتعيين في عضوية المجلس العسكري.
جعجع: إذا كان الرئيس برّي يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك
بمطلق الأحوال، بعد مرور إعصار التمديد نحن أمام واقعين:
– الأول تأكيد مصادر عليمة أنّ النقاش لم يكن قانونياً إطلاقاً في مسألة التمديد لقائد الجيش، وهو ليس كذلك في مسألة التعيين بل “القصة بالسياسة”. وميقاتي سيتّكئ على إعلان “سياسي” سابق لكلّ من وزير الدفاع والنائب جبران باسيل حول موافقتهما على سلّة تعيينات كانت تشمل قائد جيش جديداً. أمَا وأنّه تمّ التمديد في رأس القيادة فميقاتي يعتبر تعيين رئيس أركان من مهامّ الحكومة لملء الشغور الذي لم يُستكمَل برأيه بعد، وسيضغط بهذا الاتّجاه مع القوى المعنيّة، التي بينها الحزب، لإتمام الأمر. لكن تبقى العبرة في لملمة القرار السياسي الذي يُحصّن خطوة كهذه داخل الحكومة.
المُفارَقة في هذا السياق أنّ النائب وليد جنبلاط وردّاً على بعض المحاولات من داخل البيت الدرزي للحرتقة على العميد حسّان عودة غير المحسوب أصلاً على المختارة، اختار أن يسير بالوجهة المعاكسة ويتبنّى تعيينه لرئاسة الأركان وقد اجتمع معه أكثر من مرّة موحياً أنّه بات “تحت جناح الزعيم الدرزي”، والمدافع عنه أمام “التشويش” عليه من داخل بيته الدرزي!
– الثاني رهان بعض القوى السياسية على أنّ آليّة الحوار بين المقرّات وحوار الكواليس الذي طَبَعَ التفاهم النهائي على “إخراج” التمديد يفترض أن يَنسحِبا، بمعزل عن مطبخ الخارج، على ملفّ رئاسة الجمهورية.
في هذا السياق، يشير مطّلعون إلى أنّ التفاهمات التي أنتجت مشهد التمديد لقائد الجيش، وتحديداً على خطّ عين التينة -معراب، بالإمكان الاستثمار فيها رئاسياً.
يقول مؤيّدون لهذا الطرح: “ليس هناك من شكّ في أنّ الواقعية السياسية الشديدة هي التي تُبقي تفاهم مار مخايل قائماً بين باسيل والحزب “المُنهَك” من ضغوط وطلبات باسيل وتعاليه، ومع ذلك هو “مجبور” على الاحتفاظ بورقة حليفه ربطاً بثقله المسيحي المُختلِف عن ثقل سليمان فرنجية المسيحي، لكن طبعاً ليس هو نفسه حين كان ميشال عون في سدّة الرئاسة”.
أمام هذه المعادلة القائمة حتى إشعار آخر، يضيف هؤلاء أنّه “يبدو واقعياً “الاستثمار” في تفاهمات التمديد حتى في ظلّ التباعد السياسي الكبير في التوجّهات الرئاسية بين برّي والقوات اللبنانية التي سلّفت رئيس المجلس ورقة ذهبية أنتجت غطاء قواتيّاً لجلسات التشريع وكسراً لقرار معراب”.
تندرج في هذا السياق رسالة سمير جعجع العلنية إلى الرئيس بري التي أثبتت وجود “غرفة عمليات” مشتركة قادت إلى خروج كلّ من بري والقوات منتصرين في معركة التمديد، والمفارقة مواكبة الحزب لنقاشات هذه الغرفة والتماهي مع نتائجها.
يشير مطّلعون إلى أنّ التفاهمات التي أنتجت مشهد التمديد لقائد الجيش، وتحديداً على خطّ عين التينة -معراب، بالإمكان الاستثمار فيها رئاسياً
في هذا السياق قال جعجع: “إذا كان الرئيس برّي يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك، لكنّ التوافق يكون على غرار ما حصل في موضوع تمديد سنّ التقاعد لقائد الجيش، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ولا يكون إلّا من خلال الاتّصالات الجانبية الهادئة، وليس عبر طاولة حوار استعراضية لم تؤتِ يوماً ثمرة واحدة”.
يتحفّظ مؤيّدون لتلاقي بري والقوات على أسلوب جعجع الفجّ والأقرب إلى الإملاءات، “يللي ما بيمشي مع برّي”، ولا ينمّ أصلاً عن حكمة ودهاء في السياسة، لكنّ الأساس أنّ تعويل كثيرين على تفاهمات نوعيّة قد تَحكم ملفّ الرئاسة انطلاقاً من “مفاوضات التمديد” تلاقى مع موقف لافِت للحزب عَكَسَه بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي اعتبر أنّ “انعقاد جلسة التشريع النيابية أخيراً هو دليل إضافي على أهمية التفاهم لإنجاز انتخابات الرئيس وتسيير أعمال البلاد والتعاون الدائم للعمل بموجب الدستور وعدم تعطيل موادّه تحت أيّ ذريعة”.
هكذا الجلسة النيابية التي أثارت غضب باسيل واستُكملت بموجة غضب إضافية بسبب عدم تحفّظ الحزب في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة على توقيع ميقاتي نيابة عن رئيس الجمهورية على قانون رفع سنّ التقاعد لقادة الأجهزة الأمنيّة، بات الحزب يعتبرها “جسراً” للتفاهم على الرئيس المقبل، وهو ما يكشف عمق الهوّة بين حليفَي مار مخايل.
في هذا السياق، لا يستبعد مطّلعون رؤية سمير جعجع في عين التينة وجهاً لوجه مع الرئيس بري مُدشّناً مرحلة الاستثمار في التقارب مع رئيس المجلس بعدما أعلن استعداده للتوصّل إلى رئيس توافقي لكن ليس عبر طاولة حوار موسّعة، ومن دون أن يعني ذلك حصر الخيارات فقط بفرنجية وجوزف عون.
في هذا السياق، رَبَط “موقف اليوم” الحزبي للقوات أمس بين دعوة جعجع وموقف برّي “الذي سيبدأ مطلع السنة حركة مشاورات في مختلف الاتّجاهات ضمن مبادرة جديدة للاتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي”.
تحرُّك الجبهة الداخلية رئاسياً سيُواكَب، وفق مطّلعين، باستئناف قطر وساطتها إن كان عبر الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني أو وزير الدولة القطري لشؤون الخارجية محمد الخليفي، إضافة إلى الزيارة المرتقبة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان.
في هذا السياق، تندرج التسريبات عن خطوة ما للرئيس بري بعد الأعياد تُحرّك المياه الرئاسية الراكدة بعيداً عن طاولة الحوار الموسّعة التي لا تلقى تأييداً من غالبية القوى السياسية، وعلى وقع الحديث عن تموضعات إقليمية وترتيبات مرتبطة بالوضع العسكري جنوباً والوضع المالي الاقتصادي بشكل عامّ تحتاج إلى قيادة سياسية جديدة لمواكبتها.