كانت “المدن” أول من كشف عن كل الصيغ والطروحات والاقتراحات الدولية، لمعالجة الوضع في جنوب لبنان، ووقف التصعيد، وصولاً إلى تكريس التهدئة والاستقرار. لذا، ووفق ما يجري التداول به على مستوى دولي، لا بد من إعادة تأطير هذه الاقتراحات وتوضيحها أكثر، والدخول في الكثير من التفاصيل التي وصلت إليها، لأنها لم تبق فقط في الإطار العام، ولم تتصل حصراً بالضمانات المتبادلة عسكرياً أو سياسياً.. أو حتى اقتصادياً بالنسبة إلى لبنان. عملياً، فإن المقترحات مقدمة من ثلاث دول، هي أميركا، فرنسا، وبريطانيا، إلا أنها ستعود وتتجمع مع بعضها البعض ضمن سلة واحدة.
المقترح الفرنسية
يقترح الفرنسيون إعادة تفعيل عمل اتفاقية نيسان 1996، والتي بموجبها تم إنهاء عملية “عناقيد الغضب”. وهو ما عرضه الفرنسيون على المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي طلب منهم إعداده كخطة مكتوبة. في حينها كانت اللجنة تضم سوريا إلى جانب الدول الأربع التي سبق ذكرها. لكن في الاقتراح الجديد سيتم استبدال دمشق بإحدى الدول العربية الفاعلة. ومن بين الأفكار المطروحة أن تتخذ اللجنة الدولية المنبثقة عن الاتفاق مكتباً لها في مدينة صور وآخر في نهاريا، لمراقبة تطبيق أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، على أن تشرف اللجنة على استكمال المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
وفيما هناك إجماع على أن الترسيم قد يكون بحاجة إلى وقت لإنجازه، يبقى الأهم هو وقف العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، وإطلاق المفاوضات حول الترسيم، والتي ستكمل المفاوضات الجارية أصلاً بين هوكشتاين ولبنان حول انسحاب إسرائيل من النقاط المتنازع عليها، في مسعى لتسوية نهائية لملف الحدود البرية.
في هذا السياق برزت زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، والذي تحدث عن أهمية إنجاز الاتفاق وعدم ربطه بغزة، ناقلاً تهديداً إسرائيلياً واضحاً بأن الجيش الإسرائيلي مستعد لغزو بري، وشن عملية عسكرية كبرى، في حال لم تنجح المساعي الديبلوماسية.
المقترح البريطاني
أما البريطانيون، فقد اقترحوا إنشاء أبراج مراقبة مشابهة للتي أنشئت في البقاع سابقاً، لردع المخاطر من ناحية سوريا، بما في ذلك خطر تنظيم داعش خلال فترة الحرب السورية، على أن يتم تعزيز الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” على الحدود. وبعد زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى بيروت، زار وفد عسكري بريطاني لبنان، وبحث مع قائد الجيش جوزيف عون مقترحاً بريطانياً لإقامة أبراج مراقبة على طول الحدود الجنوبية.
وحسب المعلومات، اقترح البريطانيون أن يبدأ العمل من منطقة الناقورة قرب المقر الرئيسي لقوات اليونيفيل، وفي نقطة مشرفة على البر والبحر. وذلك أيضاً لحماية مسار ترسيم الحدود البحرية وعدم حصول أي اختراقات. عملياً، فإن لبنان لم يمانع الاقتراح البريطاني، لكنه اشترط أولاً أن تكون السيطرة الكاملة عليها للجيش اللبناني، وثانياً وضع الأبراج على الحدود الدولية وليس على الخط الأزرق، لأن هذا يجب أن يكون مرتبطاً بانسحاب إسرائيل من النقاط المتنازع عليها، والعودة إلى حدود العام 1923. كما اقترح البريطانيون -وهو ما التقوا عليه مع الفرنسيين- تدريب الجيش اللبناني وإدخال ما بين 7 آلاف و12 ألف جندي جديد، ومنع حصول أي مظاهر مسلحة أو أنشطة عسكرية في الجنوب. فيما هناك مساع فرنسية لعقد مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني، وتوفير المقدرات التي يحتاجها لضم عناصر جديدة وتوفير مستلزماتها.
المقترح الأميركي
أما أميركياً، فإن المسار الذي سلكه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في ترسيم الحدود البحرية، يواصله برياً في ظل الضغط الأميركي لمنع حصول أي تصعيد أو مواجهة. ويهدف تحرك هوكشتاين إلى وقف اطلاق النار، وإعادة السكان على جانبي الحدود وتعزيز حضور الجيش واليونيفيل. وبعدها، ينطلق في مفاوضاته حول الترسيم البري، لتكريس استقرار طويل الأمد.
كل الاقتراحات الفرنسية والبريطانية ستوضع في سلة الأميركيين ومساعيهم.
إلى جانب هذه المفاوضات، فإن كل طرف يطالب بضمانات. على الضفة الإسرائيلية، هناك مطالبة بضمانات عدم قيام حزب الله مستقبلاً بأي عملية مشابهة لعملية طوفان الأقصى. وعدم تشكيل أي تهديد على سكان المستوطنات الشمالية.
في المقابل، فإن لبنان يطالب بضمانات تتعلق بوقف الإسرائيليين لخروقاتهم البرية والبحرية والجوية، ووقف الاعتداءات. بالإضافة إلى ضمانات سياسية حول إعادة انتاج السلطة في لبنان، إلى جانب المطالبة بضمانات اقتصادية تؤمن المساعدات وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد. وهو ما أشار إليه موقع “إكسيوس” حول مواقف من دول أوروبية تشير إلى مثل هذه الضمانات.
وقائع المفاوضات
على ضفة المفاوضات التفصيلية للواقع الأمني والعسكري في الجنوب، فإن ما كان يحكى إسرائيلياً عن انسحاب مقاتلي حزب الله من جنوب نهر الليطاني، لم يعد قائماً. وهو غير واقعي بالنسبة إلى الدول المعنية، لأن عناصر وكوادر حزب الله هم من أبناء القرى والبلدات، ولا يمكن إخراجهم منها، طالما أن الاتفاق ينص على إعادة السكان والأهالي إلى منازلهم وبلداتهم. هنا يتحدث الإسرائيليون عن مسألة انسحاب فرقة الرضوان، والتي لن يكون من الممكن التفريق بينهم وبين عناصر الحزب. وبالتالي، فإن الأهم سيكون متعلقاً بسحب الأسلحة الثقيلة وإخفائها وإبعادها عن الحدود لأكثر من 10 كلم. فيما يتولى الجيش اللبناني مسؤولية الأمن في كل المنطقة الجنوبية، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل. وفي حال رصدت قوات اليونيفيل أي اختراق أو نشاط عسكري أو تسليحي، تبلغ الجيش بالأمر ليتولى الموضوع كي لا يحصل صدام بين قوات الطوارئ و”الأهالي”. وتكون اللجنة الدولية المعنية بمراقبة الوضع هي المشرفة على ذلك.
كذلك، بما يتعلق بالمفاوضات العسكرية والأمنية، فقد تحدث الإسرائيليون عن “وقف العمليات العسكرية”، وليس وقف العمليات الأمنية. وهم أرادوا بذلك ترك هامش لأنفسهم للقيام بأي عملية اغتيال لأي قيادي أو كادر في حزب الله أو حماس. لكن الرد اللبناني كان حاسماً بالرفض، وبالجواب أن أي عملية من هذا النوع ستستدعي رداً عنيفاً وقوياً، ولو أدى هذا الردّ إلى حصول حرب أو تصعيد كبير.