لا كلام جدياً في الرئاسة. يستعيد سفراء اللجنة الخماسية حراكهم من خلال اجتماع تستضيفه السفيرة الأميركية ليزا جونسون (للاستضافة اعتبار شكلي جرى التفاهم عليه مسبقاً بين السفراء من خلال احترام مبدأ المداورة في تحديد مكان الاجتماعات)، ولكن لا جديد من شأنه أن يبدل المشهد الرئاسي المقفل منذ 31 تشرين الأول 2022. ومهما زايدت القوى اللبنانية والكتل النيابية على بعضها البعض في إبداء استعدادها لإنجاز الاستحقاق اليوم قبل الغد، فالكلّ يسلّم بمعادلة أن لا رئاسة قبل وقف إطلاق النار في غزة، أي لا رئاسة قبل الإنتهاء من الملف الحدودي اللبناني بشقيه الأمني والإنمائي، لتصير هوية من سيخلف العماد ميشال عون، مجرّد تفصيل بسيط سيُعمل على إنجازه ايذاناً بانطلاق مرحلة جديدة يفترض أن تتمتع بالحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني والمالي.
حتى الآن، لا يزال التعويل على فرض وقف لإطلاق نار خلال الأسابيع القليلة المقبلة، قائماً، ليسبق انغماس الإدارة الأميركية بالسباق إلى البيت الأبيض. يُنقل عن بعض المسؤولين الأميركيين تأكيدهم أنّ المساعي لفرض الهدنة، لم تنته أبداً بانتظار أن يحقق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «انجازاً» ولو بسيطاً أو صورياً في رفح، ليقبل من بعدها أن يعلّق لغة الحديد والنار، ويطلق لغة المفاوضات الدبلوماسية.
وفق هؤلاء المسؤولين الأميركيين، يفترض أن تفتح الهدنة باب المفاوضات الرسمية على الضفّة اللبنانية خصوصاً وأنّ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين حاول خلال لقاءاته في بيروت، وتحديداً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، تحضير الأرضية من خلال وضع سيناريوات محتملة لهذه المشاورات وكيفية معالجة النقاط الخلافية. وفق المنظار الأميركي، المهم هو تأمين ضمانات تسهم في عودة الإسرائيليين إلى منازلهم وطمأنتهم بعدم تعرّضهم لـ»طوفان أقصى» شمالي، وذلك ربطاً بالمصالح الإسرائيلية. ولكن بمنظور «حزب الله»، الأمور أكثر تعقيداً، وتتجاوز الخلافات حول النقاط الـ13 وحتى الـB1، إلى ما هو أكثر اعتباراً على المستوى الاستراتيجي ويتعلق بالطلعات الجوية التي تقوم بها المقاتلات الإسرائيلية سواء من باب الإستطلاع أو ضرب مواقع عسكرية في سوريا.
وفق المواكبين، فإنّ الصعوبات في المفاوضات الجنوبية لا تكمن في النقاط الـ13 أو في الجانب اللبناني من بلدة الغجر، والتي يمكنها معالجتها من خلال اعتماد قاعدة المقايضة، كذلك لا تكمن في النقطة B1 القابلة للحل، ولا حتى في تواجد «حزب الله» جنوب الليطاني والتي يمكن ترتيبها باستنساخ التجربة الأولى لتطبيق القرار 1701… وإنما في مسائل أخرى أكثر أهمية وحساسية، ومنها مثلاً الطلعات الجوية الإسرائيلية، التنقيب في البحر، وإعادة إعمار الجنوب. يقول هؤلاء إنّ هذه النقاط الثلاث قد تدخل في صلب المفاوضات الحدودية حين يحين موعد الكلام الجدي، مع عودة الموفد الأميركي إلى بيروت، لوضعها على طاولة البحث المعمّق والتفاوض لصياغة ترتيب «اليوم التالي» والمفترض أن يرعى المرحلة المقبلة التي لا شك بأنّ «حزب الله» يرغب في تكون مرحلة استقرار أمني على المدى الطويل، شبيهة بتلك التي سادت بعد العام 2006 حتى السابع من أكتوبر 2023.
ومن الطبيعي أن يسعى «الحزب» خلال المفاوضات المرتقبة مع الجانب الأميركي لوضع قواعد استدامة للاستقرار الأمني والسياسي. من هنا ستكون الطلعات الجوية التي تقوم بها إسرائيل موضع تفاوض، ولا يخفي المواكبون وجود صيغ محتملة قد تلقى قبول الطرفين ولو أنّ تقديم ضمانات من جانب الأميركيين بوقف هذه الطلعات، ليس كافياً ولا يمكن التعويل عليه.
بالتوازي، يشكل ملف إعادة إعمار الجنوب، ولو أنّه لا دراسات دقيقة بعد حول الكلفة الحقيقية لورشة الإعمار، فيما الأرقام الأولية تلامس المليار دولار، بنداً أساسياً في المفاوضات خصوصاً وأنّ الأميركي سيستخدم هذه الورقة من باب الضغط على «الحزب» كون هناك صعوبة في أن تتولى إيران تغطية كامل الكلفة، وبالتالي ثمة حاجة لمشاركة دول أخرى، خيلجية وغير خليجية لتتكفل بجزء من الورشة، واذا لم تُعطِ واشنطن الضوء الأخضر أو تشجّع بعض الدول على المساهمة، قد تتأخر النهضة الإنمائية في الجنوب. وهذا الأمر ليس بطبيعة الحال من مصلحة «الحزب».
كذلك، فإنّ ضمّ ملف التنقيب عن الغاز في البحر اللبناني من خلال الضغط لإدخال شركات عالمية جديدة في عمليات الإستخراج خصوصاً وأنّ «توتال» نفضت يديها بحجة عدم وجود الغاز، سيكون مكسباً للبنان في حال نجحت المفاوضات في دفع الولايات المتحدة الأميركية الى الموافقة على «الإفراج» عن الغاز اللبناني لا سيما وأنّ الكثير من المعنيين مقتنعون أنّ الثروة اللبنانية مقفل عليها بقرار أميركي. وعليه، قد يعمل «الحزب» على إدراج هذا البند على جدول الأعمال التفاوضي. أمّا في ما خصّ الورقة الفرنسية التي تجول ذهاباً وإياباً بين باريس وبيروت، فهي مجرّد «بروفا» نظرية لما يمكن أن تكون عليه المفاوضات الجدية مع هوكشتاين حين سيحطّ من جديد في بيروت لا سيما وأنّه تبيّن أنّ مضمون الورقة غير منسّق حوله مع الإدارة الأميركية التي يبقى لها الكلمة الفصل. وفي هذه الأثناء، لا مانع من أن يبقي «الحزب» علاقته جيدة مع باريس حتى لو كان الأخذ والردّ في الورقة هو مجرّد تقطيع وقت… وتقاطع كلمات.