لم يعد يخفى الخلاف بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن. بغض النظر عن الدعم المطلق الذي منحته واشنطن لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، إلا أن التباينات تظهر في المسارات العسكرية، وفي سعي أميركا لتحديد أهداف الحرب أو تغيير مسارها. التباينات تظهر أيضاً حيال الوضع اللبناني والضغوط الأميركية الكبيرة لمنع تل أبيب من شن حرب ضد حزب الله في لبنان.
بعض المؤشرات الديبلوماسية تفيد بأن نتنياهو سيكون مصراً على إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة، بغض النظر عن الوصول إلى هدنة معينة. لكنه يرفض وقف إطلاق النار ويريد استمرار المعارك العسكرية والعمليات الأمنية إلى فترة الانتخابات الأميركية، وفق بعض التقديرات. وهو يريد لهذه الحرب أن تكون عنصراً مقرراً في مسار الانتخابات، وإسقاط جو بايدن لصالح دونالد ترامب. وهذا الكلام ليس بالأمر التفصيلي، إنما يتم التداول به على مستويات ديبلوماسية عالية، أميركياً واوروبياً.
الملف اللبناني
لبنان أحد أبرز المعالم على التضارب في الرؤى الإسرائيلية والأميركية. إذ أن الأميركيين والذين يتعاطون ببراغماتية، ولا يمانعون منح حزب الله أي انتصار بالمعنى السياسي، سيضعون على كاهل نتنياهو أثقالاً كثيرة يعرف الرجل أثمانها. ففي الوقت الذي تتزاحم فيه المساعي الدولية والديبلوماسية لحلّ الوضع في لبنان، وتجنب التصعيد ومنع حصول حرب، لا يزال الإسرائيليون يصرون على ضرورة تحقيق كل ما يريدونه، على قاعدة أن خروج حزب الله منتصراً من هذه المعركة سيشكل هزيمة كبرى لإسرائيل ولنتنياهو، ولن يعوض أي أفق لمعركة غزة تلك الخسارة على الجبهة اللبنانية.
لا تقتصر التباينات على الموقف بين الأميركيين والإسرائيليين، إنما تضرب البيت الإسرائيلي الداخلي، بين من يؤيد التصعيد ومن ينشد الحل الديبلوماسي، فيما كل الحلول المطروحة لا تبدو مرضية لإسرائيل أو لطروحاتها وشعاراتها. خصوصاً أن الأميركيين والأوروبيين يغضون النظر عن مسألة انسحاب حزب الله من الجنوب والتراجع إلى شمال نهر الليطاني، ويركزون على ضرورة سحب الأسلحة الثقيلة، والحصول على ضمانات بعدم تكرار عملية طوفان الأقصى إنطلاقاً من لبنان. وهذا يجعل الوضع في الجنوب خاضعاً لمعادلة من اثنتين، إما أن يرفض الإسرائيليون كل الطروحات التي تمنح الحزب انتصاراً، وإما أن تقدّم تنازلات كبيرة مع ضمانات مؤكدة، تمكّن الإسرائيليين من إعادة مستوطنيهم إلى الشمال، من دون أن تخرج منكسرة من المعركة.
ما حققه الحزب
بغض النظر عن نتائج المفاوضات، لا بد من تسجيل مسألة تاريخية لصالح حزب الله، الذي استدعى كل القوى الدولية لمفاوضاته. فليس تفصيلاً أن تأتي كل هذه الوفود الدولية إلى لبنان للتفاوض مع الحزب. كحزب لا كدولة، في سبيل ترتيب وضع عسكري أو أمني. فإيران لم تصل إلى مستوى التفاوض مع دول “الخمسة زائد واحد” إلا بعد مسارات ومواجهات واشتباكات، وتخصيب اليورانيوم، استدعاء للتفاوض الدولي معها والوصول إلى اتفاق. فما يصح للحزب لم يصح لأي دولة عربية أو غير عربية.
كل حرب غزة ونتائجها يمكن لها أن تصب في جيب الحزب، الذي يمكنه أن يربح أكثر من اعتراف دولي بدوره وبالتفاوض معه، والذي سيمهد للمزيد من المكاسب السياسية. كل ما قام به الحزب لم يقابل بأي تصعيد لا إسرائيلي ولا أميركي، إنما كان الاكتفاء بتوجيه التهديدات فقط. وهنا تبرز البراعة لدى حزب الله في فن التفاوض، وفي جعل الدولة اللبنانية بمؤسساتها وممثليها، وسيطاً للتفاوض عنه، من دون قدرة أي طرف على مشاورته أو مساءلته.
لم يقتصر تأثير حزب الله ودوره عند هذا الحدّ، إنما هو الوحيد الذي تمكن من إخراج بشار الأسد والنظام السوري من المعادلة، وسط غياب كامل للدولة السورية ميدانياً أو سياسياً.