كلعبة البورصة، أو ربما لعبة روليت روسية، هكذا أصبحت وقائع الجبهة في الجنوب اللبناني وتطوراتها. يغلب جو التهدئة تارة، ليعود التصعيد ويبرز أطواراً. لا يتخلى المسؤولون الإسرائيليون عن تهديداتهم، وصولاً إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بشأن التصعيد ضد حزب الله والقدرة على استهداف بيروت.
يتوازى ذلك مع ما يعلنه الإسرائيليون من مناورات عسكرية برّية تحاكي هجوماً على لبنان. في لبنان هناك من يعتبر أن التصعيد الإسرائيلي عبر هذه المواقف موجه للداخل، لأن خطوط التواصل الدولية والديبلوماسية مع المسؤولين اللبنانيين مفتوحة، وترسل المزيد من إشارات الطمأنة، بأن الإسرائيليين لن يشنوا حرباً واسعة، وبأن التواصل الأميركي معهم والضغط عليهم يمنعهم من ذلك.
مزايدات كبيرة
في مقابل هذه الأجواء، ترد رسائل غربية أخرى تعيد وتقول إن الإسرائيليين يصممون على توسيع الحرب مع لبنان، وأن المسألة ترتبط باختيارهم للتوقيت، والذي قد يكون بعد رفح. وتشير هذه الرسائل إلى أنه لا يجب التعاطي باستخفاف مع التهديدات الإسرائيلية، خصوصاً أن هناك لعبة مزايدات كبيرة في الداخل الإسرائيلي، على وقع الخلافات والصراعات داخل الحكومة نفسها. وعندما يكون الوضع كذلك، لا بد من التحسب لأي لحظة جنون. هناك من يقول إن اسرائيل ستكون مستعدة لتغيير موازين القوى وقواعد اللعبة ككل، لتأمين القدرة على إعادة السكان الى المستوطنات الشمالية. كما أن اسرائيل تعمل على اغتيال كوادر أساسية في حزب الله عملت على بناء القوة العسكرية المركزية في الحزب وقيادة العمليات. وبالتالي، هي تريد تفكيك هذه القوة، لأن أي قيادي من القياديين الذين يتم اغتيالهم يحتاج إلى سنوات من التحضير ليصبح على المقدرة التي يتمتع بها أي شخص يتم تحييده.
معركة التقنيات
في المعاني والتفسيرات العسكرية أيضاً، هناك من يشير الى أن حجم الاستهدافات الإسرائيلية لمناطق بعينها لا يرتبط فقط بتدمير مخازن ومواقع أسلحة أو منصات إطلاق، إنما يستهدف ضرب مناطق تعزيز عسكرية أو طرق إمداد، كما هو الحال بالنسبة الى منطقة وادي السلوقي. وهذا ما يفسره البعض بأنه قد يكون تمهيداً للمرحلة المقبلة، في حال تطورات الأحداث العسكرية إلى حرب واسعة.
إلى جانب هذه الضربات العسكرية، فإن العمليات الأمنية والتقنية مستمرة أيضاً. خصوصاً أن حزب الله قد نجح في المرات السابقة بإفشال العديد من محاولات الاغتيال الإسرائيلية، بعضها أعلن عنه وبعضها الآخر لم يتم الإعلان عنه، لأن الصواريخ الإسرائيلية سقطت في أماكن مفتوحة. وهذا يعود إلى نجاح الحزب في العمل على تطوير تقنية لديه، قادرة على كشف الطائرة المسيرة التي حددت الهدف الذي تريد ضربه. وهذا يسري على الأهداف المتحركة أيضاً كالسيارات، ولا يقتصر فقط على الأهداف الثابتة كالمراكز أو المنازل.
السقف الدولي
كل هذه المواجهات لا تزال خاضعة لسقف سياسي دولي، هو تجنّب الحرب ومنع وقوعها، على حد ما تقول مصادر متعددة، على الرغم من وصول الكثير من رسائل التهديد بأن الحرب أصبحت قاب قوسين أو أدنى. لا سيما أنه مع كل جولة تصعيد في الجنوب تتكثف الاتصالات السياسية مع لبنان، والاتصالات الإجرائية مع قوات اليونيفيل، لتناقل الرسائل حول آليات تخفيض التصعيد أو الحد من الخسائر من جراء القصف، أو الردود والردود المضادة. ولكن في أحيان كثيرة يتجاوز الإسرائيليون الخطوط الحمر.
هذه التجاوزات، بالإضافة إلى المزايدات الإسرائيلية وحالة الجنون والصراع في الداخل الإسرائيلي، كلها قابلة لتحويل الوضع مع لبنان إلى كرة نار ملتهبة بفعل اختلاف حسابات الميدان العسكرية عن الحسابات السياسية. وهو ما يجعل بارومتر الحرب يتحرك صعوداً ونزولاً كما هول حال البورصة، ويمكن في أي لحظة أن تتحول اللعبة إلى “الطلقة الأخيرة” التي قد تقود إلى حرب لا هوادة فيها.
هنا ثمة من يعود إلى معادلة السباق بين المفاوضات والوصول إلى نتيجة وبين التصعيد الحتمي للمواجهة.