الرئيسيةمقالات سياسيةباسيل والحزب: عصر المناورات

باسيل والحزب: عصر المناورات

Published on

spot_img

الرسالة الحادّة التي وجّهها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في شأن ترشيح جهاد أزعور للرئاسة ليست موجّهة لـ”القوات” ولا لـ “الكتائب” ولا للبطريركية المارونية، بل لها عنوان واحد هو جبران باسيل الذي استفزّ الحزب بالعودة إلى البيت المسيحي. لكنّ الأخير ما يزال ماضياً في مناورته، وينتظر اتصالاً وعرضاً محسّناً من حارة حريك.
قال رعد إنّ “المرشّح الذي يُتداول اسمه”، في إشارة إلى أزعور، “هو مرشّح مناورة مهمّته مواجهة ترشيح من دعمناه وإسقاطه”، وخلص إلى أنّ تلك المناورة ليست إلّا هدراً للوقت وإطالةً لأمد الاستحقاق، على اعتبار أن لا فرصة لمرشّح غير مرشّح الحزب لدخول قصر بعبدا. يكاد الكلام يتطابق مع ما كان يقوله الحزب في ترشيح ميشال عون للرئاسة في سنتَيْ الفراغ اللتين سبقتا انتخابه في 2016. يكاد رعد يقول إنّ من عطّل الاستحقاق سنتين ليفرض انتخاب عون لن يستنكف عن فعل الأمر نفسه لفرض فرنجية.

باسيل ومراكبه
في هذا الوقت كان باسيل تحت الضغط “المسيحي” لإعلان الموافقة على ترشيح أزعور قبل وصول البطريرك بشارة الراعي إلى باريس واجتماعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. استجاب باسيل بخطوة تتيح لرأس الكنيسة أن يحمل ورقة الرفض المسيحي شبه الجامع لانتخاب فرنجية الذي تسوِّق له فرنسا، لكن من دون أن يحرق كلّ المراكب مع “حزب الله”، إذ أعلن “التوافق مع قوى المعارضة على اسم لرئاسة الجمهورية”، من دون أن يسمّي أزعور صراحة، وأتبع ذلك بأمرين: الأوّل هو عدم التوافق مع المعارضة على مشروع سياسي، والثاني التأكيد على ضرورة “التوافق مع الجميع بمن فيهم حزب الله”. واللافت أنّ الإعلان أتى عبر صحيفة خليجية (جريدة القبس الكويتية) ليعطي رسالة إلى من يعنيهم الأمر بأنّه مستعدّ للابتعاد خطوة أخرى عن الحزب.

لا يبدو باسيل قانعاً بالحدّ الأدنى، وهو لذلك يلعب ورقة الإجماع المسيحي على اسم موحّد، ليجعل من الصعب على “حزب الله” تجاوزه

عندما انفتح باسيل على “القوات” وبدأ يتحدّث في الإعلام عن ضرورة التوافق المسيحي على اسم، لم يكن في حساباته أن يواجه مرشّح الثنائي الشيعي بمرشّح للثنائي أو الثلاثي المسيحي. فهو حتى الآن، على الرغم من كلّ ما شَجَر بينه وبين “حزب الله”، ليس في وارد التخلّي عن تفاهم “مار مخايل” الذي فتح له جنّة السلطة والمناصب والنفوذ، ليمسك بتفاهم “معراب” الذي يقتسم المناصب بينه وبين “القوات” ولا يضمن له السلطة. بل إنّه يدرك أنّ ثمن الوقوف في وجه “حزب الله” لن يكون أقلّ من ثمن وقوف عمّه (حميه) في وجه النظام السوري عام 1990. وهذا هو المغزى الحقيقي لقول وئام وهّاب (أو رسالته) إنّ “جبران باسيل ليس مجنوناً”.
لدى باسيل هدفان يريد الخروج بهما في الاستحقاق الرئاسي، بعدما أيقن أنّ حظّه الشخصي في الرئاسة ميؤوس منه هذه المرّة:
– يريد أن يحفظ وجوده في الحكومة والإدارة، ليضمن النفوذ والهيبة في بيئته.
– يريد أن يضمن حظّه في العودة إلى موقع “المرشّح الطبيعي”، وربّما الوحيد، للرئاسة بعد ستّ سنوات.
هو مقتنع أنّ مفتاح المطلبَين في يد “حزب الله”، لا في يد سواه. بمعنى آخر، لا يريد باسيل لانتكاسة حزبه منذ ثورة 17 تشرين الأول 2019 حتى النهاية الكارثية للعهد العونيّ، أن تكون القاضية على حيثيّته السياسية في البيئة المسيحية. وهو يعرف تماماً أنّ “حزب الله” أنقذه في الانتخابات الأخيرة بعدد من المقاعد “المنحة” أو المُعارة، في بعلبك-الهرمل وعكار والشوف وسواها، ليبقيه مزاحماً على لقب “صاحب الكتلة المسيحية الكبرى”. وهو يعرف أنّ حرق المراكب مع الحزب لن يخرجه من السلطة فحسب، بل سيطيح بعدد من نواب كتلته على الأقلّ في الانتخابات المقبلة.

لا يمكن أن يوضع انفتاح باسيل على “القوات” إلا في الإطار الذي فهمه “حزب الله” وردّ عليه محمد رعد، وهو أنّه محاولة “للزكزكة” وطلب التفاوض مع الحزب

لذلك لا يمكن أن يوضع انفتاح باسيل على “القوات” إلا في الإطار الذي فهمه “حزب الله” وردّ عليه محمد رعد، وهو أنّه محاولة “للزكزكة” وطلب التفاوض مع الحزب.
الحدّ الأعلى لِما يطمح إليه باسيل هو الاتفاق مع الحزب، وليس مع “القوات” والكتائب والبطريركية المارونية، على اسمٍ-تسويةٍ بديل لسليمان فرنجية، لأنّه يدرك أنّ هذا الأخير من القماشة السياسية التي تطمح إلى زرع ناسها في الإدارة ليبقى نفوذها لسنين بعد انقضاء عهدها في الرئاسة. وهذا بالضبط ما لا يريده باسيل.

الحزب والعقل العوني
أمّا الحزب فما يزال يظنّ أنّ هناك حداً أدنى لما يطلبه باسيل، وهو أن يمرّر انتخاب فرنجية على مضض، مقابل أثمان مقدّمة في الإدارة وتشكيل الحكومات، وثمن مؤخّر هو أن يضمن الحزب انتخابه بعد ستّ سنوات، كمثل الثمن الذي يقبضه فرنجية ثمناً لمضيّه بانتخاب عون في 2016.
حتى الآن، لا يبدو باسيل قانعاً بالحدّ الأدنى، وهو لذلك يلعب ورقة الإجماع المسيحي على اسم موحّد، ليجعل من الصعب على “حزب الله” تجاوزه، فلا يجد الحزب بعد ذلك مفرّاً من البحث عن كوّة يخترق من خلالها الجدار. وعندها لن يكون في هاتفه إلا رقم باسيل.

في العقل السياسي العوني ثابتة لم تهتزّ منذ 2006، وربّما تكون من نتاج خبرات المنفى، مفادها أنّ التحالف مع “حزب الله” له ثمن يُقبض في المناصب والنفوذ، وهو كبير، وأمّا العودة إلى الحضن المسيحي، فلها ثمن يُدفع في المناصب والنفوذ، وهو كبير أيضاً. لهذا صمد تفاهم مار مخايل وسقط تفاهم معراب.
يتصرّف “حزب الله” على أساس أنّ العقل العوني لم يتغيّر، وإن ضاق ذرعاً بمناورة باسيل الأخيرة. ولذلك يصفها رعد بأنّها ليست أكثر من هدر للوقت.

أحدث المقالات

جعجع يُخفق في الاستراتيجيا و”لا يبدو شاطراً في التكتيك”!

من جريمة مقتل القيادي في القوات اللبنانية باسكال سليمان إلى الإشتباك الحالي بين القوات...

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن...

“اتفاق هوكشتاين” المؤجل: من انتظار غــزة إلى انتظار إيران

لدى لبنان تجارب كثيرة وخطرة في آن، مع مسارات التفاوض في معالجة الأزمات العسكرية...

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية،...

المزيد من هذه الأخبار

حرب “الهيبة” بين إيران وإسرائيل: استباحة السماء والأرض العربية

إنها حرب “الهيبة” في الشرق الأوسط. وحرب بين المشاريع المختلفة. سرعان ما ظهر التضافر...

نامَت بيروت على حرب واستفاقت على Hiking العاقورة!

أتت استجابة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للزلزال العسكري الذي ضرب خطّ طهران-تل أبيب متأخّرة...

الحرب الأهليّة… لحظة لم تغادر

نصف قرن تقريباً مضى على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في 13 نيسان 1975. إلا...

مكمن “ماليّ” نصبته امرأة… تفاصيلُ جريمةٍ ببصمات “الموساد”!

أكد مصدر أمني لبناني أن ملف اغتيال الصرّاف محمد سرور يأتي في سياق الجرائم...

الرقص الإسرائيليّ والإيرانيّ على حافة الهاوية

تتقاطع حسابات إيران وإسرائيل في تقدير الموقف من ثأر الأولى المحتمل لضربة قنصليّة دمشق...

انكشاف أمني وتحذيرات دولية: الانقسام اللبناني في ذروته الحرجة

أصبحت التحذيرات الدولية الموجهة إلى المسؤولين اللبنانيين متنوعة. ولم تعد تقتصر فقط على تطورات...

عن باسكال وهواجس “الحــزب” وجعجع: سرقة لكن لكن ولكن…

مفهومٌ جداً أن يأتي ردُ فعل “الحزب” على اغتيال باسكال سليمان، فجّاً بهذا الشكل....

الموساد في بيروت: استجوَب محمد سرور.. حتّى الموت

لم يعد سرّاً أنّ قتل الصرّاف محمد إبراهيم سرور في بيت مري يحمل بصمات...

جنبلاط وبرّي يراسلان الحــزب: لتسوية مقبولة… أو الخراب

في عاداته التي أصبحت معروفة، يستطيع زعيم المختارة وليد جنبلاط استشعار هبوب الرياح. سوابقه...

حسابات الثّأر الإيرانيّ تريح الحزب… وتربك خطابه

بعد 24 ساعة على نفي الأمين العامّ للحزب حصول تفاهمات بين إيران وأميركا، انتقل...

تحديد موعد “البلدية” يُعزّز فرضية تأجيلها

كمن يؤدي واجبه ويبرّئ نفسه من كرة اللهب أو تحمّل مسؤولية التأجيل، وقّع وزير...

الإيرانيون يشتبهون بـ”سوريين” في اغتيال قياداتهم

“الحرب الإقليمية المخيفة جارية منذ الخريف الماضي، تحرّكها النيّة لإعادة تنظيم استراتيجية تختمر منذ...

اغتيال قادة “الحــرس” يطرح وجود إيران في سوريا؟

التحوّل في المواجهة بين إسرائيل و إيران على الأراضي السوريّة له تداعيات عسكرية وسياسية...

إسرائيل تضرب موعداً: صيف ثمار الديبلوماسية أو “الحسم” العسكري

يلزم الإسرائيليون أنفسهم بتواريخ أو مواعيد محددة، وقواعد وضوابط وشروط، إزاء مقاربتهم لتطورات الوضع...