منذ انتهاء ولاية العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية في 31 تشرين الأول 2022، يعيش رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، حالة متنامية من “التآكل” السياسي والشعبي، فضلاً عن التخبط التنظيمي داخل تياره، جراء فقدان المكاسب التي راكمها خلال العهد الرئاسي للعماد عون.
يمكن ملاحظة “الإجهاد” الذي يعانيه باسيل، المصحوب بصراعات داخلية، بصورة جلية سواء على صعيد انحسار النفوذ الشعبي لتياره، أو على صعيد فقدان القدرة على التأثير على القرارات السياسية داخل البلد، على غرار فشله في الحيلولة دون التجديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، أو اختيار رئيس للأركان.
وفي محاولة منه لفرملة انحداره وتياره، وإستعادة أنفاسه، لم يكن أمامه لاستعادة بعض من الكثير الذي فقده، سوى الذهاب بعيداً في مناوراته السياسية، التي هي أقرب إلى “الاستجداء”، سواء مع “حزب الله”، لإعادة ضخ الدم في شرايين تفاهم “مار مخايل”، أو مع “المعارضة” في محاولة استدارية منه للانضمام متأخراً إلى صفوفها. غير أن “حزب الله”، خصوصاً بعد السابع من “أكتوبر”، لم يعد قادراً على تحمل لا “الغنج” ولا “الترف” السياسي لباسيل، وإبتزازه المستمر، ما جعله ممتعضاً من سلوكه، الأمر الذي دفعه الى الاقدام على اتخاذ مواقف وقرارات تتوافق وتوجهات الحزب، وتتعارض مع مطالب باسيل ومصالحه.
أما قوى المعارضة فحالت دون أن يخترق صفوفها باسيل، لإدراكها أنه سيستهدفها على سبيل المناورة، كورقة ضغط للتفاوض مع “حزب الله”، لا سيما وأنه انقلب على العديد من التفاهمات معها.
أمام الأزمة المزدوجة التي يتخبط بها باسيل، مقرونة بتآكل تياره وشعبيته، لم يجد أمامه سوى “اللعب” على الوتر المسيحي، كملجأ له، من خلال الطلب من البطريرك بشارة الراعي أن يجمع القيادات السياسية المسيحية، معلناً أنه “لا يوجد أي سبب ألا نلتقي”. وتوجه الى القيادات المسيحية بالقول: “الوقت ليس للمزايدات، ولا للعدائية التي يظهرها البعض، وأصلاً لا أحد يستطيع أن يلغي الآخر، هذا وهم”. وأكد أن “من يظن من السبعينيات إلى الثمانينيات وصولاً إلى التسعينيات، أنه ربح بحذف غيره داخل طائفته، فليتذكّر ويتعلّم أن النتيجة كانت خسارة للمسيحيين وإضعافهم من دون ربح له”.
من الواضح أن باسيل المهمّش والمهشم، يحاول شد عصب “المارونية السياسية” التي أجّجت الحرب الأهلية، قبل أن تتراجع عقب اتفاق الطائف عام 1989، وهي تقوم على التعاطي مع السياسة اللبنانية من منطلق التمايز عن المحيط العربي والاسلامي، والنظر إليه بعين المخاوف المتَوهَمة، إلا أنه أعيد إنتعاشها من خلال الخطاب الذي لجأ إليه باسيل، ويرتكز على حماية حقوق المسيحيين ودورهم في نظام الحكم والشراكة الوطنية في لبنان، والمخاوف من الديموغرافيا الاسلامية المحيطة بهم، بهدف إعادة تعويم نفسه في الأوساط المسيحية.