تهدّد المواقف التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أخيراً، من إسرائيل ودعوته لتوسع التحالف الذي حارب «داعش» ليقاتل «حماس» ورفع السقف بتحذير إيران و«حزب الله» من عواقب الانخراط بالحرب، الوساطات والجهود التي كانت تبذلها باريس لحل أزمة الشغور في موقع الرئاسة اللبنانية، التي يمر عليها عام مع نهاية الشهر الحالي.
وقالت مصادر «الثنائي الشيعي»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ماكرون بمواقفه هذه حدّ كثيراً من قدرته على التحرك لبنانياً، سواء بالملف الرئاسي أو غيره، وهو قلّص احتمالات نجاح مبعوثه بإحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية سواء اليوم أو غداً».
وجمّد المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان كما الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني وساطاتهما على وقع أحداث غزة، ولعلمهما بأن أي خرق لا يمكن أن يتحقق بالداخل قبل جلاء المشهد في المنطقة بعد «طوفان الأقصى».
وبينما يعوّل البعض على إمكانية أن تسرّع التطورات العسكرية الكبرى التي انطلقت في السابع من الشهر الحالي، البت بالملف الرئاسي اللبناني من منطلق محاولة استيعاب أي تداعيات كارثية على البلد، يستبعد آخرون كلياً هذا السيناريو، ويرجحون أن تصبح الأزمة الرئاسية التي تدخل عامها الأول خلال أيام (في الـ31 من الشهر الحالي) في المجهول.
ويقول مصدر دبلوماسي غربي لـ«الشرق الأوسط» إن «الملف الرئاسي اللبناني بات مجمّداً وإن الموفدَين الفرنسي والقطري سيعودان حين تتوافر الظروف المناسبة ويتضح المشهد في غزة وإسرائيل». وتقتصر الحركة الدبلوماسية حالياً على محاولة تجنُّب انزلاق لبنان في أتون النيران المشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووضع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الملف الرئاسي بنداً جال به على القيادات السياسية، إلى جانب عناوين أخرى؛ أبرزها تجنيب لبنان الانزلاق إلى الحرب. وعوّل البعض على أن لقاءه مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية قد يكسر الجليد بينهما، ويؤدي لتبدل موقفه منه باعتبار أن باسيل يرفض السير بترشيحه لرئاسة الجمهورية وهو ما يحاول «حزب الله» منذ فترة إقناعه به.
إلا أن ما أدلى به الرجلان بعد لقائهما، مساء الأربعاء، يؤكد أن الأمور لا تزال تراوح مكانها رئاسياً، علماً بأن رئيس «الوطني الحر» كان حاسماً بعيد اندلاع أحداث غزة، حين قال إن «مَن يظنّ أن تسويات أو اتفاقات أو أحداثاً خارجية كأحداث غزة مؤخراً، تفرضُ علينا رئيساً، لصالح هذا أو ذاك… هو واهم. لأن هذا يزيدُنا تمسُّكاً بحريّتِنا وسيادتِنا واستقلالِنا وخياراتِنا».
وعما إذا كان «التيار الوطني الحر» يخشى أن تعوّم أحداث غزة ترشيح فرنجية مجدداً، يقول النائب في تكتل «لبنان القوي» جيمي جبور لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما نخشاه هو أن تتحول الأحداث الأخيرة إلى فرصة لدى قوى التعطيل للهروب من إنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً أن هناك مستفيدين كثراً من الفراغ الحاصل في رأس الدولة، أما الحديث عن ربط البعض بين أحداث غزة وتقوية هذا أو ذاك من المرشحين فنعدّه ضرباً من الخيال والجنون، لأن عام الفراغ المنصرم أثبت للجميع أنه لا بد من التوافق والتنازل من قِبل الجميع حفاظاً على مؤسساتنا الدستورية المتهالكة وحرصاً على إعطاء الفرص اللازمة لإصلاح الاقتصاد وحل مشاكل الناس الاجتماعية».
ويضيف: «رئيس التيار يقوم حالياً بحراك نسعى من خلاله لتوحيد الموقف اللبناني من أحداث غزة، كما الدفع قدماً لحل أزمة النازحين السوريين، إضافة لإعادة تحريك ملف رئاسة الجمهورية، لأن تحصين ساحتنا يكون أولاً بانتخاب رئيس يمثلنا ويكون شريكاً بأي تسوية مقبلة في المنطقة لضمان أنها تراعي مصالح لبنان العليا»، معتبراً أن «الاعتماد على الخارج، وانتظاره للإتيان بتسوية رئاسية، لم يعد مجدياً وبات المطلوب أن ننتج رئيساً بجهد داخلي».
من جهتها، تستبعد مصادر «القوات اللبنانية» احتمال تعويم ترشيح فرنجية مجدداً، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «ميزان القوى الداخلي لا يمكن أن يتأثر أو يتبدّل بتطورات المنطقة، وهو حال دون إمكانية انتخاب مرشح الممانعة. كما أن اللجنة الدولية الخماسية لن تبدل موقفها اليوم ولن تسمح بوصول مرشح الممانعة، وقد تحدثت عن المرشح الثالث إن كان عبر الموفد الفرنسي أو القطري». وتضيف المصادر: «الملف الرئاسي في حالة جمود كلي. فقبل حرب غزة كان (حزب الله) يجمّد الملف تحت عنوان مرشحي أو الشغور. أما بعد الحرب فتحول عقل الحزب إلى مكان آخر؛ إذ إن ما يعنيه حالياً هو المعركة الحربية وكيفية إدارتها، وبالتالي هو لا يتعاطى مع الملف الرئاسي لا من قريب أو من بعيد. ولذلك لا يدعو الرئيس بري لجلسات انتخاب».