اعتبر كثيرٌ من المتشوّقين لإنقاذ غزّة كلام زعيم الحزب غير مثيرٍ للحماسة من أجل النجدة. بينما يريد زعيم الحزب الضغط على الأميركيين والإسرائيليين من أجل إيقاف المذبحة عندما يجعل دخوله رهناً بوقف الحرب أو عدم وقفها. إذ تدنو إمكانيات الدخول إذا استمرّت الحرب، وتتراجع إذا توقّف الزحف البرّي على غزّة. وبين هذا وذاك تستمرّ الاشتباكات اليومية على الحدود اللبنانية بين الحزب وقوات الكيان، التي يتمدّح الزعيم بأنّه احتجز في خضمّها قسماً كبيراً من الجيش الإسرائيلي الذي كان يمكن استخدامه ضدّ غزّة والضفة.
ولأنّ الزعيم يعتبر أميركا هي الخصم الأوّل فإنّه أثنى على الميليشيات العراقية والحوثية التي أطلقت النار والمسيّرات على القواعد والأساطيل الأميركية. وليس معروفاً لماذا لم تتدخّل الميليشيات الأقوى، لكن ربّما كان ذلك هو ما أراده الإيرانيون لكي تبقى الحرب محدودة، ولكي لا تُحرِج الحكومة العراقية كثيراً. وعلى كلّ حال الحرب حرب حماس وحلفائها وليست حرب الزعيم الذي يزعم أنّه ما كان على علمٍ بها! ولذلك يطلق الحماسيون النار على إسرائيل حتى من لبنان ويعلنون ذلك، بينما تستمرّ إسرائيل في مهاجمة مراكز الحزب دونما ذكرٍ لتدخّلات “قسّام” لبنان.
اعتبر كثيرٌ من المتشوّقين لإنقاذ غزّة كلام زعيم الحزب غير مثيرٍ للحماسة من أجل النجدة. بينما يريد زعيم الحزب الضغط على الأميركيين والإسرائيليين من أجل إيقاف المذبحة عندما يجعل دخوله رهناً بوقف الحرب أو عدم وقفها
مع وصول وزير خارجية أميركا أنطوني بلينكن إلى إسرائيل ثمّ وصوله إلى الأردن ظهرت الإشكاليات، أو لنقل النقاشات الحامية. إسرائيل لا توقف الحرب إلّا بعد إطلاق سراح الرهائن. والأميركيون يستصعبون ذلك ويخشون على أرواح الرهائن، ويريدون هُدَناً إنسانيةً أو وقفاً للنار، بحسب التعبير العربي، للتفاوض على إخراج الرهائن، والعودة إلى مفاوضات حلّ الدولتين.
المعروف أنّ حماساً والجهاد من أيام الحرب الأولى اعتبرا أسرى إسرائيل ورقة لإطلاق سراح الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وهم بالآلاف. وإلى ذلك هناك تفاصيل مثل الضغوط الإسرائيلية على المستشفيات ومنع إخراج الجرحى إلى مصر عبر معبر رفح، في حين يوقف الحماسيون إخراج الأجانب من غزّة حتى يخرج الجرحى، الذين يقول بلينكن إنّهم جرحى حماس.
إذاً ينفتح بجدّية ملفّ حلّ الدولتين، وهو الذي صرّح به إسماعيل هنيّة من قطر. وكانت حماس قد قالت مواربةً عام 2017 بحلّ الدولتين، وهي تقول ذلك الآن بوضوح عبر رئيس مكتبها السياسي، في حين ما يزال خالد مشعل الموجود بقطر أيضاً يريد إزالة الدولة الإسرائيلية.
قوّة النعوش… في الإقناع
لقد عرف الوزراء العرب بعمّان التفاصيل والمجاملات من بلينكن الآتي من إسرائيل. وسيجتمعون يوم 11 تشرين الثاني في مؤتمر قمّةٍ بالمملكة ليقرّروا كيف يعيدون الدخول إلى القضية الفلسطينية التي لم يعد ممكناً بقاؤها بين أيدي إيران وإسرائيل. لا أحد يريد حماساً طرفاً بعد تبادل الأسرى. إنّما هل يمكن ذلك على الرغم من الضعف الشديد النازل بها في مذابح الجوّ والبحر والبرّ؟ ومن جهةٍ أخرى هل السلطة الفلسطينية بزعامة أبي مازن مؤهّلة لقيادة المفاوضات على حلّ الدولتين بعد؟ إذ لم تعد ذات شعبيةٍ بين الفلسطينيين؟
الإسرائيليون على الرغم من استئخارهم للتفاوض، صاروا يميلون إلى أبي مازن الضعيف. بينما لم يتفق بلينكن مع الوزراء العرب في عمّان على طريقة البدء، وعلى الأطراف المشاركة. يريد العرب طيَّ صفحة الحرب بسرعة، للذهاب إلى التفاوض وترتيباته، بينما يفضّل بلينكن ضرب الحديد وهو ساخن على الطرفين. ولذلك قال في المؤتمر الصحافي في عمّان إنّ هناك اختلافاً في وجهات النظر، لكنّ الأميركيين والعرب تربطهم مصالح مشتركة في العديد من الأمور وفي مقدَّمها الآن الحرب في غزّة ومصائرها.
اختلفت تقديرات الإسرائيليين والأميركيين. العسكريون الأميركيون استصعبوا الحرب البرّية، والإسرائيليون قالوا إنّها طويلة لكنّهم سينتصرون بها
قبل نهاية الحرب: من يدير القطاع الذي لا يريد الإسرائيليون البقاء لإدارته، وهذا إذا نجحوا في الحرب البرّية. بينما يخشى كلّ الآخرين مسألة الإدارة بسبب مسؤوليّاتها الضخمة التي لا يستطيع طرفٌ واحدٌ تحمّلها.
حرب غزّة، التي تمتدّ إلى الضفّة قبل لبنان، زادت الوضع تعقيداً إلى حدٍّ بعيد. فقد صار الكلام بيزنطياً كما يقال: البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة. هناك عدم قدرة إسرائيل على الحرب الطويلة. وهناك التحوّل في الرأي العام العالمي لغير مصلحة إسرائيل… وأميركا. وقد اختلفت تقديرات الإسرائيليين والأميركيين. العسكريون الأميركيون استصعبوا الحرب البرّية، والإسرائيليون قالوا إنّها طويلة لكنّهم سينتصرون بها. بيد أنّ أهوال الحرب وخسائرها الإنسانية والعمرانية صارت عاملاً رئيسياً يحول دون استمرار الحرب حتى الانتصار المبتغى. هو عضُّ أصابع، فمن يتنازل الآن للمدنيين؟ وليس لصمود أو انتصار هذا الطرف أو ذاك؟
الأوروبيون سكتوا بعد حماسة شديدة لإسرائيل. والأميركيون الرسميون يقولون الشيء ونقيضه. وخبراء حملة الرئيس الأميركي جو بايدن للرئاسة يخشون من تأثير الفشل في إيقاف الحرب على حظوظ الرئيس، ويريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأشدّ تناقضاً في تصريحاته وتصرّفاته، إقامة مؤتمر دولي إنساني من أجل غزّة في مصر.
هل تكون حرب غزّة هي الحرب الأخيرة بالفعل بسبب الدم الفلسطيني المتدفّق منذ مئة عام؟
هذا ما يريده الفلسطينيون والعرب الآخرون والرأي العامّ العالمي. أمّا اللواء صائب عريقات فيرى أنّ “النعوش” الإسرائيلية المتزايدة والمتضخّمة الأعداد هي التي ستحسم لدى الإسرائيليين مسألة عدم العودة للحرب، والإصغاء لإمكانيات السلام.