مسار الحرب على غزة، كما مصير المواجهة المفتوحة على الجبهة الجنوبية للبنان، كلاهما يرتبطان بما ستؤول إليه المعركة الإسرائيلية المرتقبة على مدينة رفح. هناك رهانات لبنانية كبيرة على إمكانية الوصول إلى صيغة تمنع الإسرائيليين من خوض معركة رفح. بل هناك من يراهن على الأميركيين وقدرتهم على منع الإسرائيليين من خوض هذه المعركة، لأن استمرارها قد يؤدي إلى تحقيق انكسار عسكري وشعبي في قطاع غزة لحركة حماس. كما أن عملية رفح ستشكل ضربة كبرى لكل الدول العربية، لأنها تطال المدينة التي تحتضن أكبر قدر من السكان الفلسطينيين الذين لجأوا إليها. وبالتالي، فتح المعركة يعني فتح مسار جديد لتهجيرهم، سواءً إلى مخيمات داخل القطاع لجهة الغرب، أو إلى سيناء من خلال تجديد الضغط العسكري والشعبي والسياسي على مصر.
من رفح إلى الغازية
لا يمتلك أي من العرب أو اللبنانيين إلا الرهان على قدرة قاهرة تمنع الإسرائيليين من شن العملية العسكرية في رفح، تأتي انطلاقاً من ممارسة الكثير من الضغوط الدولية ووقف “الجسر الجوي” العسكري من أميركا إلى إسرائيل. أما في حال حصلت المعركة وأصر الإسرائيليون على استكمالها فإن ذلك سيقود إلى رفع معنويات بنيامين نتنياهو، الذي قد يوسع نطاق عملياته في لبنان.
يستبق الإسرائيليون أي تطورات من هذا النوع برفع منسوب تهديداتهم، وبتوسيع نطاق عملياتهم العسكرية أو الأمنية، وصولاً إلى الاعتداء على الغازية، والذي يعتبر مجدداً محاولة إسرائيل لخرق كل القواعد والمحرمات، والقول إنه لا وجود لمنطقة آمنة في لبنان.
يفرض التصعيد الإسرائيلي وجوب ردّ عنيف من قبل حزب الله يستعيد من خلاله توازن الردع. على أن يكون الردّ غير مستدرج لحرب واسعة. ولكن هناك معادلة أساسية لا بد من التوقف عندها مع الإصرار الإسرائيلي على التصعيد والاستفزاز. وقوام هذه المعادلة أن حزب الله بنى كل سرديته على مسألة توازن الردع ومنع اسرائيل من تنفيذ عمليات في العمق اللبناني. كما أن عدم الرغبة في الحرب يكون هدفها حماية المناطق الآمنة، وهو ما لا يحصل، في ظل العمليات الإسرائيلية الآخذة بالتوسع. وهو ما سيفرض على الحزب وجهة أخرى. لأنه في حال عدم القيام برد متوازن ستكون اسرائيل قد نجحت في فرض معادلتها وقواعدها.
الرد المتوازن
هنا لا بد من التوقف عند كلمة أساسية قالها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، في خطابه الأخير، حين أكد أن الإسرائيليين لا يجرؤون على تنفيذ أي استهداف متعمد للمدنيين أو لمنشآت مدنية. قال نصرالله ذلك في معرض ردّه على كل من يهدد بالحرب أو يخوف اللبنانيين منها. لتأتي ضربة الغازية بمثابة ردّ اسرائيلي مباشر على كلام نصرالله. فصحيح أن الإسرائيليين أعلنوا أنهم استهدفوا منشآت عسكرية للحزب في الغازية، الأمر الذي تم نفيه من قبل حزب الله ومن قبل أصحاب المصانع التي استهدفت، ما يعني أن الرواية اللبنانية تقود إلى معادلة اسرائيل باستهداف المنشآت المدنية لا العسكرية. وهذا أيضاً ما يفرض على الحزب رداً متوازناً، تماماً كما كان نصرالله قد تعهد بالرد على الاعتداء الإسرائيلي في النبطية وفي الصوانة، وأن اسرائيل ستدفع الثمن دماً.
يعمل الإسرائيلي وفق توقيت آخر يختلف عن مسارات الوسطاء. فلا أحد يدّعي منهم قدرته على معرفة ما سيقوم به الإسرائيليون. وهذا ما يدفع بكل القوى العاملة على خط تبريد الجبهة في الجنوب لتفعيل تحركهم واجتراح الصيغ والحلول، خصوصاً أن هناك رهاناً على القدرة للوصول إلى وقف لإطلاق النار أو هدنة إنسانية في غزة مع بداية شهر رمضان.
لذلك، يمكن للإسرائيلي أن يبدأ في معركة رفح ولكن من دون استكمالها، فيستخدم بداية معركته في سياق الضغط، للذهاب نحو تفاوض سياسي يفرض حلاً قبل رمضان. أما بحال لم يستجب الإسرائيليون لكل الضغوط، فيمكن لرمضان أن يشكل فرصة لهدنة تعود بعدها المعارك. وعليه، فإن الجبهة اللبنانية ستكون مستمرة في الاشتعال.