مهمّتان أساسيتان سعى إليهما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حين ارتأى تحديد جلسة يوم الخميس عقب جلسة الثلاثاء المؤجّلة: تمديد عقد شركة “ليبان بوست” بحكم الأمر الواقع، والتمهيد لجلسة تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون أو إجراء تعيينات عبر خطاب مكتوب سلفاً تحدّث فيه عن “أولوية تحصين المؤسّسات وأن لا تكون الحكومة ساحة يستخدمها من يريد تصفية حسابات شخصية ومنازعات فردية”.
لم يكن ميقاتي يعني بذلك سوى استبعاد أيّ خيار قد يحاول النائب جبران باسيل فرضه على الحكومة كشرط توقيع الـ 24 وزيراً على مراسيم التعيين، وإبقاء أنابيب الإنعاش شغّالة لتمديد بفتوى من السراي التي أخّرها فيتو “آخر الليل” من الحزب وصل إلى حدّ التلويح بخروج وزيرَي الحزب من الجلسة في حال طرح ملفّ التمديد.
التعيين جدّيّ؟
مفارقة لافتة واكبت انتهاء الجلسة تُرجمت من خلال تعميم معطيات عن تقدّم حظوظ تعيين قائد جيش وأعضاء المجلس العسكري على خيار التمديد أو تأجيل التسريح.
المفارقة الكبرى أن تعكس قيادات في الحزب هذا التوجّه على “قاعدة العمل على تأمين التوافق المطلوب على التعيين من خلال حضور وزير الدفاع الجلسة المقبلة وطرح سلّة التعيين على طاولة الحكومة”.
أمّا ميقاتي نفسه فلا يضيره أخذ شرعية “كاملة” الأوصاف لحكومته في حال أقرّت التعيينات العسكرية بموافقة وغطاء باسيل بعدما “حاربَها” الأخير على مدى أكثر من عام معتبراً إيّاها “سلطة اغتصاب” لصلاحيات رئيس الجمهورية.
في السياق نفسه، وبعكس ما تمّ تعميمه من جانب الحزب في الآونة الأخيرة عن موافقة ضمنية من قبله حيال بقاء القائد في موقعه، فإنّ الحزب، وفق مصدر مطّلع، اتّخذ قراره برفض تأجيل التسريح أو تمديد سنّ تقاعد قائد الجيش ومعه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. ويلفت هؤلاء إلى آخر المآخذ على قائد الجيش من خلال تسليمه الحزب شاحنة الأسلحة التي “انقلبت” على كوع الكحّالة… لكن من دون الأسلحة.
تفيد المعلومات أنّ التواصل انقطع نهائياً بين قائد الجيش وعون قبل نهاية الولاية الرئاسية للأخير
ضايعة الطاسة
في المقابل ردّ السراي أمس على “مناخ التعيين” الذي سيطر في الساعات الماضية على مفاوضات الكواليس عبر الموقع الإلكتروني المحسوب على ميقاتي بالقول: “خيار التمديد لقائد الجيش بات مُتقدّماً على خيار التعيينات الذي يلاقي رفضاً سياسياً واسعاً، والمسألة ستُبتّ فور إنجاز الاتصالات الاستكمالية، خصوصاً أنّ التمديد يلقى قبولاً مسيحياً يتقدّمه البطريرك بشارة الراعي”.
فعليّاً، “ضايعة طاسة” الحلّ للشغور المرتقب في قيادة الجيش، وربّما ثمّة من يريد أن يُذكّر بالمرحلة التي سبقت إحالة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى التقاعد من “تنتيع” وأخذ وردّ، فيما كان “القرار السياسي” متّخذاً سلفاً.
عون لا يريد عون
بانتظار الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء دَخَل عامل داخلي على الخط قد يكون أهمّ من الموقف الأميركي الذي يفضّل التمديد لقائد الجيش وأهمّ من التوافقات الداخلية الظرفية على تأجيل تسريح “القائد”، وهو الموقف الحاسم لميشال عون الذي تؤكّد أوساط مطّلعة أنّه أطلع عليه الأمين العام للحزب شخصياً السيد حسن نصرالله، وهو “رفضه التمديد لقائد الجيش في موقعه”.
أخيراً لم يتوانَ رئيس الجمهورية السابق عن القول أمام من يلتقيهم: “لو بقي حدّي جوزف عون كنت عملتو رئيس جمهورية بعد انتهاء ولايتي”، فيما كان لافتاً في الردّ الصادر عنه في شأن ما ذكرته محطة “إم تي في” قوله: “في موضوع التمديد لأيّ موظف، وتحديداً قادة الأجهزة والمؤسّسات العسكرية والأمنية، فإنّ موقف الرئيس عون واضح ومعلن ولا لبس فيه وليس بجديد، فهو رافض كلّياً لكلّ ما يشكّل مخالفة للقوانين وللدستور الذي سبق أن أقسم يمين المحافظة عليه عندما كان رئيساً”.
هذا يعني، وفق قريبين من رئيس الجمهورية السابق، تصدّيه بالفعل وليس فقط بالقول لأيّ تخريجة من داخل الحكومة تتيح تأجيل تسريح قائد الجيش عبر تخطّي وزير الدفاع.
في هذا السياق، تفيد المعلومات أنّ التواصل انقطع نهائياً بين قائد الجيش وعون قبل نهاية الولاية الرئاسية للأخير.
يقول مطّلعون إنّ مشكلة التعيين الحقيقية هي في الآلية التي يحاول باسيل فرضها بتوقيع الـ 24 وزيراً على المراسيم وليس لناحية مبدأ التعيين
فيتو “شكليّ” من ميقاتي على التعيين؟
يُذكر أنّ تعيين قائد جيش أصيل يلقى رفضاً “ظاهرياً” من ميقاتي وضمنياً من البطريرك الراعي وكلّ القوى المسيحية، بما فيها فرنجية، ويتعاطى الثنائي الشيعي معه حتى الآن بحذر، ولذلك وجهة النظر المضادّة تقول بأنّ “تعميم أجواء التعيين وسقوطه لاحقاً في الحكومة يمهّد للحلّ العملي القائم على التمديد لعون بآخر لحظة”.
كما أنّ جهات قانونية تذكّر بتوقيع الرئيس ميشال عون على مرسوم استقالة حكومة نجيب ميقاتي قبل يوم من انتهاء ولايته فكيف يقبل، هو وباسيل، بتوقيع الحكومة “المستقيلة” مراسيم تعيين قائد جيش وأعضاء مجلس عسكري؟
في المقابل، يقول مطّلعون إنّ “مشكلة التعيين الحقيقية هي في الآلية التي يحاول باسيل فرضها بتوقيع الـ 24 وزيراً على المراسيم وليس لناحية مبدأ التعيين (باستثناء الجوّ المسيحي العامّ الرافض للتعيين بغياب رئيس الجمهورية). كما أنّ التعيين قد يكون أقلّ كلفة سياسياً على الثنائي الشيعي”.
قائد الجيش: إحسموا أمركم
إزاء فوضى السيناريوهات تؤكّد أوساط قائد الجيش أنّ “البازار المفتوح في شأن قيادة الجيش يسيء جداً إلى المؤسسة العسكرية ويجب وقفه فوراً إمّا بالتعيين، وقد سبق للقائد أن أكّد أنّ من ينوب عن قائد الجيش رئيس الأركان فقط، أو التمديد بشكل قانوني لا يسمح بالطعن به”.
لا حالة حرب من دون مرسوم
على خطّ آخر، وفور انتهاء جلسة الخميس ردّت مصادر معنية بملفّ التمديد على “المُتبرّع” بفتح النقاش حول التمديد لقائد الجيش في مجلس الوزراء وزير البيئة ناصر ياسين واستناده إلى “نظرية حالة الحرب” من أجل تأجيل تسريح العماد جوزف عون بالقول: “حالة الحرب تستدعي صدور مرسوم عن مجلس الوزراء ولا يمكن الركون إليها لمجرد حدوث اشتباكات عسكرية أو مناوشات صاروخية على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل من أجل تبرير أيّ قرار صادر عن الحكومة”، مشيرة إلى أنّ “توكيل وزير بيئة مهمّة طرح بند طارئ من خارج جدول الأعمال لا يتعلّق بوزارته يتنافى مع نصّ المادة 66 من الدستور حول “تولّي الوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كلّ في ما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّ به”، وبالتالي يعود لوزير الدفاع أن يفعل ذلك أو رئيس الجمهورية عند حضوره”.