ينقسم لبنان بين مشهدين. الأول، اجتماع سفراء الدول الخمس للبحث في مسار الانتخابات الرئاسية، وكيفية إنجاز الاستحقاقات الأخرى، الدستورية والإصلاحية. الثاني، مشهد المشادات الكلامية المهينة التي شهدتها جلسة مجلس النواب لمناقشة الموازنة العامة، ليظهر العجز عن إنتاج موازنة متكاملة، إلى جانب العجز عن تقديم أي رؤية حل سياسي للأزمة اللبنانية المستمرة، والتي على ما يبدو أنها مديدة.
اجتماع السفراء الخمسة للبحث في كيفية انتخاب رئيس للجمهورية ووضع مواصفاته، يظهر مدى تغييب اللبنانيين عن أي أثر سياسي، في مقابل صورة نقاش الموازنة ومجلس النواب والاتهامات التي أقل ما يقال فيها إنها تنم عن حجم الانهيار والترهل. فيبدو المشهد وكأن القوى السياسية صاحبة أدوار وظيفية لا غير.
يد حنونة على وجه ميقاتي
بالنسبة إلى السفراء الخمس، فاجتماعهم يأتي في إطار التنسيق فيما بينهم، تحضيراً لاجتماع على مستوى المندوبين في الأسبوعين المقبلين. تم النقاش في المواصفات والمحددات التي يفترض أن يكون عليها رئيس الجمهورية، والمفترض أن يتكامل مع رئيس الحكومة وحكومته. بالإضافة إلى النقاش في الملفات الاقتصادية والإصلاحات وغيرها.
على المستوى الخارجي، وفي التفاصيل أيضاً، لا يمكن إغفال كل المساعي الدولية التي تسعى إلى مناقشة السلطة الرسمية اللبنانية حول كيفية إرساء الاستقرار في الجنوب، وتطبيق القرار 1701. وفيما تبدي الحكومة انفتاحاً، أجَّل حزب الله أي نقاش إلى ما بعد حرب غزة. وهو ما عادت الحكومة إلى الإلتزام به أيضاً. ما يشير إلى نقطة أساسية: النقاش الفعلي في هذا الملف سيكون مع حزب الله لا مع أحد غيره.
تلك الصورة تتعزز عبر صورتين تم التقاطهما في مجلس النواب بين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة ورئيس الحكومة، في الصورة الأولى يؤدي نجيب ميقاتي التحية لمحمد رعد. في الثانية، يقترب رعد من ميقاتي مثنياً ومدغدغاً، بلمسة يد حنونة على وجه الرئيس. هنا لا يحتاج الحزب إلى الصفع أو الصفعات. طالما أن الصورة تأتي تكميلاً لمسار ميقاتي الذي يتماهى إلى أبعد الحدود مع الحزب، أو التسليم بقوة قراره والتسليم له بوجهة البلد وتكريسه مفاوضاً مع الخارج، بدلاً من كل قوى الداخل. هذا أيضاً من شأنه تكريس واقع أنه لا يمكن الدخول إلى السلطة إلا عبر استرضاء الحزب.
قوة الفرض
بالعودة إلى اجتماع السفراء الخمسة، وفي موازاة السعي إلى توحيد الموقف والمواصفات، لا تزال هناك بعض المقاربات المختلفة لدى كل طرف، إلا أن التركيز يشدد على ضرورة الخروج بموقف موحد، يمهد الطريق أمام عقد اجتماع على مستوى المندوبين. لكن هناك رأياً يقول إنه لا يمكن للدول الخمس أن تنجز انتخابات رئاسية من دون التفاهم مع الطرف السادس وهو إيران، أو حزب الله الذي يوكله الإيرانيون المهمة.
لذلك، فإن التفاهم المبدئي عند الخماسية يمكن أن يغرق في كل التفاصيل، ما يعني أن الضعف قد يعتريه بنتيجة الكثير من الكمائن المحكمة التي يتم نصبها، وهو ما حصل منذ العام 2020 ومع المبادرة الفرنسية، وقدرة حزب الله على استغلال أي نقطة ضعف داخل الخماسية، في ظل محاولات تلمسه للحسابات المختلفة لدى كل دولة. كذلك تغيب أي قدرة أو رغبة لدى الخماسية على الفرض، فيما وحده الحزب قادر على ممارسة هذا الفرض.
هذا ما يجعل الحزب هو المفاوض الأساسي للخماسية، أو لكل دولة على حدة. وبالتالي، كل التفاوض مع الحزب، سواء كان داخلياً أم خارجياً، هو عبارة عن التمنّي عليه لتقديم التنازل وليس دفعه إلى التنازل مضطراً، على قاعدة تعديل في موازين القوى السياسية. خصوصاً أن الخماسية ليس لديها طرف سياسي وازن ومتماسك تتمكن من خلاله أن تفرض التنازل على الحزب.
أما قدرة التعطيل لدى المعارضة فلا تتلاقى مع القدرة على الصمود، بخلاف وضعية حزب الله، الذي لا يزال حتى الآن على موقفه، وإما أن يحقق رؤيته، أو أن يتنازل لاحقاً.. ولكن على قاعدة التفاوض معه ودفع القرابين له.