ترافقت الزيارة الثالثة للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لبيروت بسلّة مؤشّرات داخلية طغت على مضمون زيارة تكاد تُختصر بعنوان واحد: “أسابيع هدنة غزة يجب أن تؤسّس لاستقرار مستدام على الجبهة الجنوبية”. مطلبٌ غلّفه الزائر الأميركي بقشرة تهديد أطلقه من عين التينة حين لوّح باحتمال “عدم سريان هدنة غزة بالضرورة على لبنان”. وبتسليطه الضوء على خطر الحرب المحدودة الدائرة على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية.
لا يزال فيتو الحزب على الخوض بأيّ نقاش عسكري أو أمني أو رئاسي قبل وقف إطلاق النار النهائي في غزة يطغى على زيارة كلّ الموفدين الدوليين. وآخرهم آموس هوكستين. وهو واقع قد يؤخّر تكريس معادلات أمنيّة جديدة في جنوب لبنان تضع حدّاً فاصلاً مع مرحلة ما قبل 7 تشرين الأوّل. واستطراداً يؤخّر الحلّ السياسي الداخلي “المُستدام” ومعه تأخير المساعدات المالية الدولية التي وَعَد هوكستين صراحة بتوفيرها “لاقتصاد لبنان وجيشه” بعد تكريس الحلّ جنوباً!
من المهم رَصد نتائج ما سمعه الموفد الأميركي آموس هوكستين من لبنان “الرسمي والمُعارِض”. ونَقَله إلى تل أبيب التي زارها يوم الإثنين بعد محطة الستّ ساعات في بيروت. وهو ما قد يمهّد الطريق أمام زيارة رابعة لهوكستين ضمن مساعيه لتثبيت مسار الحلّ العسكري الدائم الذي يسعى إليه والمقترن بإنهاء مشكلتين أساسيّتين بالمنظار الإسرائيلي:
– وجود الحزب في منطقة جنوب الليطاني والتوصّل لتفاهمات حدودية تنزع من يد الحزب ورقة استراتيجية عنوانها “المقاومة جنوباً”. باختصار، اتّباع “كاتالوغ” أمنيّ جديد على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
– طمأنة العدوّ إلى العودة السالمة والمستدامة لمستوطني الشمال إلى مستعمراتهم عبر إضعاف الحزب ميدانياً.
ترافقت الزيارة الثالثة للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لبيروت بسلّة مؤشّرات داخلية
غارة باسيلية على الضاحية
لكن على أهمية زيارة هوكستين. التي تقصّد من خلالها عدم الاجتماع مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وتخصيص نواب المعارضة (القوات والكتائب والنائب ميشال معوّض) والنائب السابق وليد جنبلاط بلقاءات منفصلة. طغت عدّة معطيات داخلية على “وَهج” زيارة الموفد الأميركي، وقاسمها المشترك هو الحزب:
– قبل ساعات من زيارة هوكستين نفّذ النائب جبران باسيل “غارة سياسية” على الضاحية. ساوى فيها بين مخاطر الحرب والاعتداءات الإسرائيلية وبين “الخطر يللي جايي من الشريك الذي يتلاعب بأسس لبنان”. وأعلن “بداية التمرّد على هذا الواقع وأوعا حدن يقلنا في حرب وطّوا صوتكم. فما سينهي لبنان هو الخطر من الداخل، لأنّ الأخطار العسكرية مقدور عليها”.
آموس هوكستين
لم يُصنّف كلام باسيل، بالنسبة لمصادر قريبة من الحزب، إلا في سياق المزيد من الضغط السياسي والرئاسي على حليف مار مخايل. وذلك في وقت لا يخفي باسيل أمام بعض من يلتقيهم احتمال دخول الحزب بصفقة رئاسية. بالتوازي مع مساعي تدشين مسار الحلّ العسكري من غزة إلى جنوب لبنان. متّهماً الحزب بأنّه انتقل من كونه الحليف الأول لميشال عون إلى الحليف الأوّل لنجيب ميقاتي.
– في مقابل مساعي آموس هوكستين إلى توظيف هدنة غزة من أجل تثبيت الاستقرار جنوباً ووقف الأعمال العسكرية بشكل تامّ من الجانبين. بالتزامن مع إقفال ملفّ الحدود البريّة والنقاط المتنازع عليها. فإنّ أيّ مسؤول لبناني أو أجنبي لا يملك تصوّراً واضحاً للآليّة التي يرضى بها الحزب عند بدء الحديث عن تطبيق القرار 1701 غير المطبّق ببنوده منذ عام 2006. وهل يقبل بالتنفيذ التدريجي لتثبيت النقاط الحدودية الـ 13 المتنازع عليها مع إسرائيل وصولاً إلى نقطة الـ B1 (نقطة الخلاف الأساسية) ومزارع شبعا؟ وهل الحدود البرّيّة تدخل ضمن التسوية الإقليمية الشاملة التي لم تتبلور بعد؟ مع العلم أنّ توحيد الرؤى اللبنانية حول القرار 1701 بدا مطلباً أميركياً واضحاً.
لم يَحمل الموفد الأميركي أيّ رسالة ذات طابع رئاسي باستثناء تأكيده أنّ بدء عودة الاستقرار جنوباً سيسرّع الحلّ السياسي للعديد من الأزمات
– لم يَحمل الموفد الأميركي أيّ رسالة ذات طابع رئاسي باستثناء تأكيده أنّ بدء عودة الاستقرار جنوباً سيسرّع الحلّ السياسي للعديد من الأزمات. وعلى رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية. لكنّ آخر جولات التأزيم رئاسياً تجلّت بتعليق وفد الحزب الذي التقى الإثنين وفد نواب كتلة “الاعتدال الوطني” على المبادرة التي يحملها هؤلاء. فصحيح أنّ المبادرة بحدّ ذاتها أقرب إلى “الكزدورة النيابية” في الوقت الضائع. إلا أنّ موقف الحزب حيالها يقدّم عيّنة عن أيّ مبادرات مماثلة لا تأخذ بالاعتبار: التوقيت السياسي الملائم للحلّ الرئاسي، وثابتة تمسّك الحزب حتى الآن بسليمان فرنجية صاحب الـ 51 صوتاً.
– لم يكن تفصيلاً تزامن زيارة هوكستين مع محاولات إسرائيلية هي الأولى من نوعها منذ 7 تشرين الأول للتسلّل إلى الأراضي اللبنانية ونجاح الحزب في التصدّي لها. وهو ما فُسّر بأنّه رسالة من جانب العدوّ بجدّية فكرة الاجتياح البرّي للبنان. وأمس تحديداً أوحت التطوّرات العسكرية جنوباً التي تنحو نحو مزيد من التصعيد بأنّ “وهج” زيارة هوكستين واقتراحاته لم تلعب دوراً في لجم جبهة القتال اللبنانية-الإسرائيلية. وزاد المشهد غموضاً التسريباتُ التي تحدّثت عن تعثّر مفاوضات القاهرة حول وقف النار في غزة. بموازاة حديث قياديين في الحزب عن عدم استخدام المقاومة في لبنان كلّ أسلحتها بعد بوجه العدوّ الإسرائيلي.