في معالم المشهد، وإن بدت خلاصته ساذجة لشدّة غرابتها، يبدو أنّ ما يجمع الوسيط الأميركي آموس هوكستين مع الحزب، ولو بالواسطة، أكثر ممّا يجمع الضيف الأميركي حالياً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. فالأخير أعلن الطلاق مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مراهناً على استمرار حربه حتى عام 2025، وهو ما يعني أنّه ينتظر وصول حليفه الأول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية.
يبدو أنّ آموس، صاحب الباع السياسي الطويل، اليهودي الأصل الذي عمل يوماً في قلب الكيان، قد حصد إعجاب الحزب الذي بات يراهن على بقائه في منصبه كموفد رئاسي، لإنجاح المفاوضات المقبلة حول الحدود البرّية والاتفاق الأمني لأنّ تغييره سيعيد الأمور إلى الصفر.
على الرغم من توصيف مطالب هوكستين بأنّها “مطالب إسرائيلية لا يمكن تلبيتها في الوقت الراهن من دون وجود ضمانات للبنان أوّلاً قبل البحث بضمانات لإسرائيل”، إلا أنّ إدارة التفاوض من هوكستين “الذي فهم خصوصية لبنان جيداً وجنوبه بشكل خاص لجهة وجود الحزب فيه”، ستمكّنه يوماً ما قد لا يكون بعيداً، من الوصول إلى خواتيم إيجابية، تماماً كما فعل في المفاوضات حول الحدود البحرية.
يبدو أنّ ما يجمع الوسيط الأميركي آموس هوكستين مع الحزب، ولو بالواسطة، أكثر ممّا يجمع الضيف الأميركي حالياً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو
الحزب معجب بهوكستين
بين العدوان الإسرائيلي على غزة وبين استمرار الاشتباك على الجبهة جنوب لبنان، وشمال إسرائيل، اشترط الأمين العام للحزب وقف العدوان على غزة لبدء مفاوضات تريدها الولايات المتحدة الأميركية وتحتاج إليها إسرائيل لضمان أمن حدودها الشمالية بعدما أصبح ذلك هاجساً جدّياً يطال عمقها.
في هذا السياق بدا الموفد الأميركي متفهّماً جداً لكلّ الهواجس اللبنانية التي سمعها مباشرة من رئيسَي مجلس النواب والحكومة في بيروت. لذلك المقاربة التي يجب الإضاءة عليها هي في موقف الحزب من مهمّة هوكستين، وهو للمفارقة موقف إيجابي منفتح، لا بل مرحّب به كموفد ووسيط بين لبنان وإسرائيل “نظراً لمعرفته العميقة بالواقع اللبناني ولأنّه من أكثر الموفدين فهماً لخصوصية لبنان وهواجس القوى الأساسية فيه، ونظراً لحجم الخلافات التي برزت وتبرز كلّ يوم بين إدارة هوكستين والحكومة الإسرائيلية”.
في معلومات “أساس” أنّ تقويم الحزب للأداء الذي يقدّمه هوكستين في مهمّته الأمنيّة الثانية بعد مهمّته الأولى بإنجاز الترسيم البحري، لا يخلو من الدعوة إلى إبقائه وسيطاً للوصول بأسرع وقت إلى الاتفاق.
على الرغم من أنّه لم يجمع لقاء بين الحزب وهوكستين، لأنّ حوارهما يجري بواسطة الرئيس نبيه بري، إلا أنّ الحزب يدرك أهميّة التوقيت في الاتفاق. كذلك يفعل هوكستين. وهما يستعجلان النتائج الإيجابية بغضّ النظر عن الخطوط التي رسمها الحزب وشبكها بغزّة. فالحزب يعوّل أوّلاً على قرار أميركي أصبح واضحاً بأنّ العدوان بشكله الحالي في غزة لا يمكن أن يستمرّ.
نتانياهو يعلن الطلاق مع بايدن وينتظر ترامب
في الناحية الأخرى انفجر الخلاف وخرج إلى العلن بعدما كان مخفيّاً ومكتوماً بين الأميركي والإسرائيلي حول الحرب على غزة.
في الأساس ليس غياب الكيمياء بين بايدن ونتانياهو سرّاً على أحد. اليوم تبدو وسائل الإعلام الإسرائيلية بغاية الوضوح في توصيفها للخلاف بين رئيس وزرائها و”الرجل العجوز”.
في معلومات “أساس” أنّ تقويم الحزب للأداء الذي يقدّمه هوكستين في مهمّته الأمنيّة الثانية بعد مهمّته الأولى بإنجاز الترسيم البحري، لا يخلو من الدعوة إلى إبقائه وسيطاً للوصول بأسرع وقت إلى الاتفاق
تطول لائحة الخلافات بين نتانياهو وبايدن، لكنّ أهمّ ما فيها عدد من النقاط:
– يصرّ نتانياهو على الاستمرار بحربه من دون الخضوع للأمم المتحدة ولا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ولا “لأيّ طرف آخر”، وهنا يقصد واشنطن. في حين تدعو واشنطن إلى إنهاء الحرب سريعاً. وهو ما يبدو واضحاً في تصاريح وزير الدفاع يوآف غالانت المحسوب على الجانب الأميركي. فقد صرّح أنّ العدوان على غزّة بشكله الحالي “يكاد ينتهي”، فيما يقول نتانياهو إنّ حربه “مستمرّة حتى عام 2025”.
– حمّل نتانياهو مسؤولية ما اعتبره خاطئاً، أي إدخال المساعدات إلى أهل غزّة، للجيش ووزير الدفاع. علماً أنّه هو من يتحكّم بالقرار السياسي والعسكري. فهو كان قد وافق على إدخال الأدوية بدون تفتيش، إلا أنّه عاد وتراجع وطالب بتفتيشها نتيجة الضغوطات الكبيرة عليه. هذا الخلاف وغياب التنسيق دفعا نتانياهو إلى منع مشاركة مساعدين لوزير الدفاع في جلسات أمنيّة لمجلس الوزراء لأنّ غالانت له توجّه مختلف عنه في الحرب.
– تعمل واشنطن مع قطر على صفقة تبادل كلّ الأسرى فيما يشترط نتانياهو إطلاق الأسرى الإسرائيليين مقابل عودة السكان إلى شمال غزة.
– يعمل نتانياهو على الدفع باتجاه استمرار العملية العسكرية في جنوب غزة وصولاً إلى معبر رفح وباتجاه خطّ فيلادلفيا (الحدود بين غزة ومصر كما رسمت في اتفاقية كامب ديفيد)، فيما تعارض واشنطن هذا التوجّه بشكل صارم .
– يدفع نتانياهو سكان غزة نحو “الترانسفير” عبر معبر رفح، ولو كلّفه ذلك اشتباكاً على المعبر مع المصريين، وسط خشية لا تزال موجودة من استهداف المعبر لتحويل الترانسفير إلى أمر واقع. فيما تعارض ذلك واشنطن والدول العربية والخليجية كافة.
“انتهى النقاش”… واتّسع الخلاف
في 23 كانون الأول وبعد 45 دقيقة من مكالمة بين نتانياهو وبايدن، طلب الأخير تحويل أموال إلى السلطة الفلسطينية. فأجابه نتانياهو أنّه سيبحث الأمر مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. والمفارقة أنّ بايدن سبق أن عبّر عن رفضه لسموتريتش وطلب تغييره. فعند هذا الحدّ من المكالمة قال بايدن لنتانياهو “انتهى النقاش” وأقفل الخطّ بوجهه كما بات معروفاً. هذه الحادثة التي رواها أحد الإعلاميين الإسرائيليين ليست سوى واحدة من المؤشّرات إلى سوء العلاقة.
في ما يعني لبنان، لا بدّ من التساؤل حول إمكانية أن يدفع هذا الخلاف نتانياهو إلى التصعيد على جبهته الشمالية مستفيداً من كسر الخطوط الحمر في البحر الأحمر خلال الاشتباك الأميركي – الإيراني غير المباشر، بواسطة الحوثيين.
على الرغم من كلّ هذه الخلافات الإسرائيلية الأميركية، فإنّ الثابتة بينهما التي لم تتغيّر حتى هذه الساعة، هي اتفاقهما على عدم توسّع الحرب الإسرائيلية في لبنان أمّا وإذا حصل ذلك كما يبدو بحسب التصعيد الظاهر في الساعات الأخيرة فإنّ الولايات المتحدة الأميريكة لن تبقى متفرّجة بل هي حكماً وبالرغم من كلّ الخلافات ستصطف إلى جانب حليفتها إسرائيل. وبالتالي اليوم لا بدّ من طرح سؤال حول جنون نتانياهو الظاهر. فهل يستغلّ خلافه مع واشنطن لخلط الأوراق العسكرية في لبنان ليحرق الخطوط الحمر مع واشنطن في ما يتعلّق بالاتفاق معها على عدم توسيع الحرب؟ وكيف تُقرأ التسريبات الإسرائيلية حول النيّة لتنفيذ اجتياح، إلى جانب التسريب عن تنفيذ تسلّل في عيتا الشعب، قبل نفي الخبر من مصادر لبنانية؟ في حين تتحدّث اللغة الإسرائيلية عن “حزام ناري” مع لبنان يعيدنا إلى الأيام الأولى لحرب غزة. ومنذ ساعات قال وزير الحرب الإسرائيلي: “علينا الاستعداد لتدهور الوضع الأمني في الشمال وقد نفرض حلاً عسكرياً لعودة السكان لديارهم”. فعل الرغم من الخلافات الإسرائيلية – الإسرائيلية إلاّ أنّ أي قرار بأي تصعيد على الجبهة الشمالية سيكون قراراً موحداً وقد يقرأ فيه البعض محطة إلزامية لدفع الأمور إلى الأمام.
ثمّة من يدعو في لبنان إلى أن يتطوّر إعجاب الحزب بهوكستين ليصبح منتِجاً ومُسرِّعاً لما يحضّر له، طالما لا يزال ذلك في المستطاع، وطالما يعبّر عن رغبة الحزب كما عن رغبة الأميركي، لأنّ البديل لن يكون خيراً، لا اليوم، ولا في 2025 إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض.