حطّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين في إسرائيل بخطابين لبنانيَّين متضادّين، رسمي ومعارض. وسيعود إلى بيروت بخلاصة واحدة من تل أبيب يضعها على طاولة الحكومة اللبنانية: ضمانات مباشرة من الحزب، وليس من الحكومة غير القادرة على منحها، تتيح بدء تنفيذ خطة عودة الاستقرار إلى جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
مع بدء سريان هدنة غزة بدءاً من شهر رمضان أو من دونها تبدو الجبهة الجنوبية محكومة بتعقيدات كثيرة. وهذه الأخيرة تكمن أساساً في كون كبسة زرّ القبول بشروط أو اقتراح هوكستين موجودة بيد الحزب. وليس بيد رئيس الحكومة ولا الرئيس نبيه بري ولا نواب المعارضة. الذين طالبوا خلال لقائهم الموفد الأميركي بنزع سلاح “ميليشيا الحزب” من أجل التطبيق الكامل لبنود القرار 1559.
بانتظار هوكستين
بانتظار المقترح الكامل الذي سيحمله هوكستين مجدّداً إلى بيروت هاتفياً أو شخصياً والذي يتمحور. كما أعلن ميقاتي. حول آلية تطبيق القرار 1701 تدريجياً. والمفترض أن يتبلور لاحقاً بورقة واضحة تفصّل مراحل تنفيذه تحت سقف وقف إطلاق النار النهائي في جنوب لبنان “المستوحى” من هدنة غزة. وصولاً إلى حسم ملفّ الحدود البرّيّة. فإنّ ضمّ شهر رمضان بأيّامه الثلاثين من دون تسوية إلى الـ 150 يوماً من الحرب المحدودة المندلعة على الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية. يعكس حالة المراوحة السلبية التي ستُبقي الداخل اللبناني رهينة حرب مفتوحة حتى إشعار آخر واستحقاقات داخلية مؤجّلة. ربّما أحد أهمّ مؤشّراتها تكرار الموفد الرئاسي عبارة: “هل تتخيّلون ما قد يحدث جنوباً إذا سقط خيار هدنة غزة؟”.
هكذا يبقى احتمال بقاء الجبهة الجنوبية ناشطة عسكرياً قائماً مع تراجع مؤشّرات إحلال هدنة “صَلبة” في غزة، ولو مؤقّتة. وهو واقع سيترافق مع عدّة معطيات داخلية تزيد الوضع السياسي والأمنيّ إرباكاً وتشويشاً.
يرصد مراقبون تحوّل منطقة الضاحية الجنوبية إلى قلعة أمنيّة أكثر تحصيناً من مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول
الضاحية قلعة أمنيّة
يرصد مراقبون تحوّل منطقة الضاحية الجنوبية إلى قلعة أمنيّة أكثر تحصيناً من مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول. ويتصرّف أمن المقاومة على أساس أنّها بقعة معرّضة بشكل كبير لاختراقات أمنيّة خدمة للعدوّ. ومن المؤشّرات إلى ذلك توقيف أمن الحزب الدبلوماسي الإسباني والأمنيين الهولنديين الثلاثة وتسليمهم لاحقاً إلى الأجهزة الأمنيّة.
تمتدّ حالة الاستنفار إلى منطقة بعلبك على الحدود الشرقية والتي تضعها إسرائيل ضمن سلّة أهدافها الصاروخية. وهو واقع يشير إلى تمسّك الحزب هنا أيضاً بـ “ترابط الساحات”. فمحاولة إرساء الاستقرار جنوباً يصعب أن تفصلها المقاومة عن محاولات إسرائيل المتكرّرة لاختراق عمق الضاحية أو توجيه ضربات صاروخية بقاعاً. والأهمّ احتمال إبقاء العدوّ الإسرائيلي على هدفه بإنجاز لائحة الاغتيال لقادة في الحزب، مستفيداً من مرحلة الحرب المفتوحة. بمعزل عن مسار الهدنة في غزة والجنوب. وهو الأمر الذي ألمح إليه هوكستين في زيارته الأخيرة لبيروت.
هوكستين
أمّا في السياق السياسي فيُنقَل عن مصادر قريبة من الحزب تأكيدها أنّ استراتيجية الحزب في التعاطي مع الملفّات الداخلية. وأوّلها ملفّ رئاسة الجمهورية. ستكون أكثر تصلّباً في المرحلة المقبلة وأكثر مشاركة في “ترسيم” هويّة الرئيس المقبل.
في ظلّ خطوط مقطوعة بالكامل مع الحليف المسيحي النائب جبران باسيل لفت تبنّي موقع “العهد” التابع للحزب معطيات إعلامية تحدّثت عن عدم وجود تقدّم في الملفّ الرئاسي. وصعوبة إحداث هوكستين اختراقات في شأن ترتيبات أمنيّة على الحدود الجنوبيّة تحت سقف وقف الحرب. حيث ثبّت موقع العهد واقع أنّ “المواقف في الملفّ الرئاسي على حالها منذ ما قبل حرب غزّة. والثنائي الشيعي لا يزال يرى المرشّح سليمان فرنجية المؤهّل الوحيد حتى الآن لقيادة المرحلة. في مقابل حركة التفاف من الأصدقاء والخصوم للذهاب نحو خيار مرشّح وسطي”.
حطّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين في إسرائيل بخطابين لبنانيَّين متضادّين، رسمي ومعارض
هو واقعٌ عَكَسه الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العامّ للحزب في مقابلته تلفزيونية قبل أيام حين جزم أوّلاً أنّ تفاهم مار مخايل معلّق. فـ”هم على قناعتهم ونحن على قناعتنا”. متحدّثاً عن “رئيس وطني جامع وفرنجية لديه قابلية بأن يفتح على العالم والدستور يضمن الميثاقية”. مؤكّداً “أنّنا لم نقدّم جواباً نهائياً حول مبادرة كتلة الاعتدال الوطني”.
أضاف قاسم: “نحن مش رايحين على مرشّح آخر، وكلّ الطروحات المقابلة مطلوب منها أن تتزحزح وتقدّم شيئاً حتى نتمكّن من إيجاد حلّ”.