لا يزال السؤال الأكثر تداولاً يُطرح حول لبنان وحزب الله واحتمال توسع المعركة إليه وفيه. لا أحد يمتلك جواباً، وسط كم كبير من التحليلات والتقديرات، والتي تربط الانخراط الأوسع في الحرب من على الحدود الجنوبية للبنان بمدى التوغل الإسرائيلي البري في قطاع غزة، أو بمدى تحقيق أهداف عسكرية ضد حركة حماس، أو بمسألة التهجير المتعمد للفلسطينيين من القطاع. وهذه خطوط حمر يضعها حزب الله ولن يسمح بها. وما بين التحليلات والتقديرات، والعمليات المدروسة جنوباً، تأتي تهديدات إسرائيلية وأميركية كثيرة يتلقاها لبنان حول تداعيات أي انخراط.
لا يزال الحزب يحتفظ بقواعد اشتباك واضحة، وهي ضرب مواقع عسكرية، فيما التهديدات الإسرائيلية تذهب أبعد من ذلك. ولكن ما يظهر من المعركة وآلية إدارتها بالنسبة إلى الحزب، يبدو أن فيها تنويعات كثيرة.
ضربات استباقية
الخيار في المعركة أوسع بكثير من الواقع. بل هناك خيارات كثيرة، تتبين في آلية تفكير حزب الله، من خلال تدمير المواقع الأمامية للإسرائيليين. وهذا تحسباً لحصول تطور، فتكون الجبهة الأمامية مفتوحة أمامه. ففي ضرباته الاستباقية التي ينفذها الحزب، يعمل على فرض واقع عسكري أمام الإسرائيليين. وبالتالي، هو لا يريد لهم أن يفرضوا قواعدهم في أي حرب، كما كان يحصل في السابق. ولذلك يلتزم بقواعد الإشتباك، أي بمعادلة ضربة مقابل ضربة، واستهداف موقع عسكري مقابل استهداف موقع آخر. هذه الآلية هدفها عدم ترك الساحة مفتوحة أمام الإسرائيليين لشن ضربات موسعة في العمق اللبناني، ولعدم تكرار تجربة حرب تموز التي لجأ فيها الإسرائيليون إلى شنّ حرب واسعة وشاملة تتضمن غارات جوية على عمق الضاحية الجنوبية وعلى مرافق أساسية وبنى تحتية، ما أدى إلى تقطيع أوصال البلد. هذا ما لا يريده الحزب في هذه المرحلة، إنما يريد للصراع أن يبقى محصوراً في الخط المتقدم من الجبهة الجنوبية، بعمق 2 كلم حتى الآن، ويمكن أن يتوسع أكثر ليصل إلى 4 كيلومتر بالمرحلة التالية.
جبهة الجولان.. وإلى العراق
على هذا الخطّ أيضاً، هناك امتداد باتجاه الجولان، والذي يمكن أن يبرز كميدان للعمليات في المرحلة الثانية أو الثالثة، فيكون تمديد شريط الاشتباك شرقاً لا توسيعه نحو العمق اللبناني. هذا التكتيك لا ينفصل عن دراسة هادئة لدى “المحور” في تنويع ساحات الصراع، كمثل إعلان كتائب حزب الله العراق الدخول في معركة طوفان الأقصى، من خلال ضرب أهداف ومواقع أميركية في العراق. وهذا دخول هدفه ردعي أيضاً، يتضمن إشارات واضحة حول فرض قواعد جديدة للصراع، بشكل لا يبقى محصوراً في غزة، ولا محصوراً في جنوب لبنان، أو لا تعود فيه الجبهة اللبنانية هي الانعكاس الأول لمحاولة اسرائيل الاجتياح البري إلى غزة. ويمكن في المرحلة اللاحقة، أن يدخل اليمن على الخطّ، من خلال إطلاق صواريخ باتجاه اسرائيل، وهذا أيضاً من شأنه أن يوحي بأن المعركة أوسع من مجرد جبهتين لإسرائيل، جنوبية وشمالية.
وما ينطبق على توسيع الساحات خارج لبنان، ينطبق أيضاً في الداخل، من خلال تبني قوى متعددة لعمليات تشنّها إنطلاقاً من جنوب لبنان. فبذلك لا يقول حزب الله أنه الوحيد في لبنان الذي يخوض المعركة، إنما دخلت الجماعة الإسلامية على الخطّ، وكذلك بالنسبة إلى كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. وبالتالي، يظهر تنوعاً في خوض المعركة، والتقاءً سنياً شيعياً، فيما لاحقاً قد تبرز مشاركات لجهات عديدة في عمليات إطلاق الصواريخ أو القذائف أو تنفيذ عمليات تسلل، يمكن أن يقوم بها الحزب السوري القومي الإجتماعي، وسرايا المقاومة، وغيرهما من حلفاء الحزب.