استبق الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله جلسة التوصيات النيابية اليوم في شأن هبة المليار يورو بسلّة ضوابط لم يحِد فيها الحزب عن الخطوط العريضة التي تعاطى فيها طوال 13 عاماً منذ بدء النزوح السوري. مطلب “فتح البحر” والتواصل الرسمي مع سوريا والضغط على واشنطن وأوروبا ليس جديداً ويكاد يكون أحد التقاطعات القليلة جداً الباقية من محور التحالف مع النائب جبران باسيل.
اللافت في كلام السيد ليس الدعوة إلى “فتح البحر” بل المقاربة التي قدّمها حيال دور الأجهزة الأمنيّة في هذا الملفّ.
في بداية تشرين الأول الماضي فاتح باسيل زوّاره قائلاً: “سبقنا السيّد نصرالله في طرح فكرة فتح البحر أمام السوريين للتوجّه نحو قبرص ودول أوروبا”، مؤكّداً أنّها “فكرتنا في الأساس لأنّها ستوجِع الأوروبيين. نحن نتوافق بالكامل مع نصرالله في هذه النقطة، لأنّ الذهاب الآمن للسوريين في مراكز وسفن مجهّزة يمكن أن يدفع أوروبا إلى إعادة حساباتها”.
هذا ما أعاد نصرالله تكراره في خطابه الأخير مستنسخاً تقريباً كلام باسيل الأخير حول “افتحوا البحر وشوفوا الأوروبيين والأميركيين كيف بيجوا لعنّا ويعرضوا المليارات لتأمين العودة”، لكنّ نقطة التمايز الأساسية تجلّت في التباعد بين باسيل والسيّد في شأن دور الأجهزة الأمنيّة، وخصوصاً الجيش. إذ إنّ باسيل لم يقصّر طوال الأشهر الماضية في فتح معركة حقيقية ضدّ قائد الجيش جوزف عون متّهماً إيّاه من خلال أدائه “بتغطية دخول السوريين على الحدود و”تسكيرها” لجهة البحر تأميناً للرضى الأوروبي والأميركي عليه”.
حتّى إنّ باسيل لم يتردّد في مفاتحة الحزب أكثر من مرّة بانزعاجه من تسلّم الجيش من قبرص سوريّين حاولوا الوصول خلسة إلى الجزيرة على متن القوارب وأعادَتهم السلطات القبرصية إلى لبنان بالتنسيق مع الجيش. وقبل أيام طلب باسيل من الحكومة توضيحات عمّا إذا كانت هبة المليار تشترط إعادة نازحين من قبرص (بواسطة الجيش) لأنّ لقائد الجيش سوابق، برأيه، “في اتّخاذ قرارات أحاديّة بتسلّم المتسلّلين إلى قبرص بشكل أحاديّ متقمّصاً دور الحكومة والوزارات المعنيّة”.
تقول مصادر سياسية لـ “أساس”: الاستفاقة السياسية المتأخّرة حول مخاطر النزوح لن تذهب إلى حدّ فتح مواجهة مباشرة مع واشنطن وأوروبا لكثير من الاعتبارات
السيّد يدافع عن الجيش
في المقابل قدّم نصرالله مقاربة مختلفة تماماً حين طرح تساؤلاً: “هل يستطيع الأمن العامّ والجيش معاً أن يحملا مليون ومليونَي نازح سوري ويدفعوهم باتّجاه الحدود و”يزعبوهم” إلى سوريا؟ هذا كلام غير واقعي وغير حقيقي، لا الأمن العامّ ولا الجيش يستطيعان أن يفعلا هذا الشيء، لا تحمّلوا المؤسّسات العسكرية والأمنيّة ما لا تستطيع فعله، ولا الدولة اللبنانية ما لا تقدر عليه”.
الأهمّ من ذلك أقرّ نصرالله بأنّ “الجيش ينفّذ قراراً سياسياً بمنع الهجرة”، مُحيّداً إيّاه من أيّ مسؤولية. لذلك، قال نصرلله، “إذا أردتم حلّ مسألة النازحين فاتّخذوا قراراً وطنياً شجاعاً عبر تأمين موقف رسمي وشعبي بفتح البحر. عندها فليقُل لا رئيس الحكومة. فقيادة الجيش تابعة للسلطة السياسية ووزراؤنا جزء منها، وبقيّة الوزراء أغلبهم موافقون، تفضّلوا واعملوا غطاءً وطنياً”.
أضاف نصرالله: “نحن نَضمَن لرئيس الحكومة أن يضع رِجلاً على رِجل وأن يضع شروطه أيضاً. فقط افتحوا البحر. سوف يأتون إليك (الأوروبيون والأميركيون) ويسألونك عن الحلّ، تقول لهم بأنّنا نريد أن نتساعد نحن والدولة السورية لإعادة النازحين إلى سورية، وأن تُقدَّم لهم المساعدات داخل سورية. فتُحلّ المشكلة”.
السيّد
هذا التمايز الواضح بين باسيل والسيّد حيال دور الجيش يعني الكثير في السياسة، خصوصاً أنّ الرئيس السابق ميشال عون نفسه يضع قائد الجيش في قفص الاتّهام بالتواطؤ في ملفّ النزوح السوري.
لا مواجهة مع واشنطن
فيما أبقى الرئيس نبيه بري موقفه مُبهَماً من مسألة فتح البحر أمام السوريين، فإنّ مطلب باسيل و السيّد نصرالله بـ “الهجرة الآمنة” بحراً لم يجد مكاناً له في كلّ اجتماعات الحكومة سابقاً ولن يحصل ذلك ضمن سلّة التوصيات النيابية اليوم التي كان يُعمَل على “خياطتها” في الساعات الماضية، والتي لن تمنع، برأي أوساط نيابية، من ذهاب بعض الكتل النيابية بعيداً في حفلة المزايدات والتمريكات وتسجيل بطولات في غير محلّها.
مطلب باسيل والسيّد بـ “الهجرة الآمنة” بحراً لم يجد مكاناً له في كلّ اجتماعات الحكومة سابقاً ولن يحصل ذلك ضمن سلّة التوصيات النيابية اليوم
في هذا السياق، تقول مصادر سياسية لـ “أساس”: “الاستفاقة السياسية المتأخّرة حول مخاطر النزوح لن تذهب إلى حدّ فتح مواجهة مباشرة مع واشنطن وأوروبا لكثير من الاعتبارات يتّخذ بعضها طابعاً شخصياً، ويمكن بالتأكيد التسليم بأنّ رئيسَي الحكومة ومجلس النواب ليسا بهذا الوارد، إذ ستتّجه الضغوط اللبنانية الرسمية نحو طلب تجيير الأوروبيين لملياراتهم في سياق تسهيل العودة ودفع الأموال للسوريين في سوريا وليس لبنان وتشجيع قوافل العودة الطوعية التي استأنفها الأمن العامّ وتغطية إجراءاته في الملاحقة التي اتّخذها أخيراً والإيعاز إلى البلديات والأجهزة الأمنيّة تنفيذ القوانين بموضوع الترحيل”.
تضيف المصادر: “المفارقة أنّها الجلسة الأولى منذ عام 2011 المخصّصة للنازحين، ولذلك لا يمكن القبول بتوصيات إنشائية، كما أنّ الحكومة ستكون في بوز مدفع ترجمة التوصيات في ظلّ أمر واقع لا يمكن تجاهله، وهو كون ملفّ النزوح السوري أحد أهمّ أوجه الصراع بين سوريا من جهة وواشنطن وأوروبا من جهة أخرى. لكنّ هذا لا يمنع قيام الدولة بإجراءات تخفّف من وطأة القنبلة البشرية التي باتت تهدّد الكيان اللبناني”.