يوم الأحد، وإزاء الضربات العنيفة التي وجهها حزب الله إلى الجيش الإسرائيلي، توقع كثر أن يكون الردّ الإسرائيلي عنيفاً، وقد يصل إلى حدود الخرق الكبير لقواعد الاشتباك، خصوصاً بعد كلام وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، عندما سئل عن متى يتجاوز الحزب الخطوط الحمراء، فأجاب: عندما يتم ضرب أهداف في بيروت ستعرفون أن الحزب قد تجاوز الخطوط الحمراء.
لم يلتزم غالانت بموقفه، ولم يأت الرد الإسرائيلي التصعيدي، لأن الأميركيين قاموا بعملهم لتنفيس أي محاولة تصعيدية إسرائيلية. وهو ما سُرّب لاحقاً عن الاتصال الهاتفي بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ونظيره الإسرائيلي غالانت.
“أمن المستوطنين”
بعد كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يوم السبت، كان الجميع على قناعة بأن الحزب سيرد بعنف على كل التجاوزات الإسرائيلية. فيما الأميركيون لا يريدون لردّ الحزب أن يسهم بالذهاب إلى حرب واسعة، خصوصاً أن الإسرائيليين يتعايشون مع حالة تضارب داخلية، بين من يريد الذهاب إلى معركة واسعة مع الحزب ومن يريد تجنبها. من بين الأجواء في تل أبيب، أن نتنياهو قد يهرب من غزة لشن عملية عسكرية ضد الحزب. وهو بذلك يستعيد موقع الضحية بدلاً من أن يبقى في موقع الجلاد الذي يرتكب المجازر بحق أهل غزة وأطفالها. فيما هناك آراء أخرى داخل إسرائيل ترفض الحرب مع الحزب. ويبقى الأهم أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي لا تريد لهذه الحرب أن تندلع. إذ يعلم الأميركيون أن أي تصعيد في لبنان سيؤدي إلى توريطهم بشكل مباشر، كما أن كلفته ستكون عالية جداً على المنطقة ككل.
في ظل هذه الأجواء، تبرز ضغوط إسرائيلية كثيرة على الحكومة بنتيجة انعدام القدرة على توفير الأمن للمستوطنين على الحدود مع لبنان. وهؤلاء من غير الممكن أن يعودوا طالما أن حزب الله موجود بكل قدراته. توفير هذا الأمن لا يمكن أن يتحقق بأي حرب ضد حزب الله أو توسيع العمليات العسكرية، فلا أحد يضمن النتائج. لذلك يتقدم الدور الأميركي في هذا المجال بحثاً عن صيغة اتفاق سياسي من شأنها أن تعيد إحياء العمل بالقرار 1701. ذلك أيضاً من دون أن يكون الحزب قد جمّد استخدام السلاح، إنما فرض بموجبه معادلة واضحة لم تمنح الإسرائيلي أي إطمئنان، وأبرزت له القدرة لدى الحزب على خوض الحرب. وهذه المعادلة هي التي يفترض بها أن تؤسس لاتفاق شامل قد يتصل بإظهار الحدود البرية لاحقاً وتثبيتها، لا سيما أن هناك محاولات اميركية مستمرة لتسوية وضع الحدود وإزالة كل أسباب فتح الجبهة.
إبعاد حزب الله عن الحدود
لا شك أن هناك جواً دولياً كبيراً وضاغطاً، لن يرضى بأن يتكرر مشهد 7 تشرين في غزة مرة ثانية في جنوب لبنان. ولذلك هناك مجموعة من الأفكار والخطط التي يتم بحثها على مستوى دولي لتجنّب ذلك. وهذا ما تدور من حوله اتصالات دولية كبرى، بما فيها زيارة آموس هوشكتاين إلى لبنان الأسبوع الفائت. وكأن هناك محاولات لتعميم نموذج الجولان، أو ما طرح من قبل الإسرائيليين سابقاً في سوريا، حول ضرورة انسحاب القوات الإيرانية من الجنوب بمسافة 40 كلم.
حالياً، يحاول الإسرائيليون مع الأميركيين طرح مسألة إبعاد حزب الله عن الحدود الجنوبية للبنان، وفق مندرجات القرار 1701 والذي لم يتم تطبيقه. تسعى تل أبيب للاستفادة من جو دولي داعم لها لتحقيق ذلك. وهذا ينطلق من معادلة واضحة، أي منذ العام 1969 إلى اليوم. فجنوب لبنان هو الذي يقرر مصير البلد، ولطالما كان مفتاح الحل أو صاعق التفجير. الحرب على غزة تكشف مجدداً هذا الدور الأساسي للجنوب، فيما اللبنانيون بما فيهم بيئة حزب الله أو حتى الحزب نفسه لا يحبذون الحرب، ولكن لا يخشونها. في مقابل جو معارض للحزب ربما يتمنى حصول الحرب طمعاً بإمكانية إلحاق خسائر به أو إضعافه، وإن كانت مواقفهم تشير إلى انهم لا يريدون هذه الحرب ولا يريدون للحزب أن “يورط” البلد بها. أما حزب الله فيسعى إلى تكريس الوقائع التي يريدها من دون حرب، إن أمكن.
لا بد لمستقبل أن يكون مرتبطاً بكل هذه الضغوط الدولية التي تسعى اسرائيل وخلفها الولايات المتحدة الأميركية، لتكريس وقائع جديدة، يتحقق معها تطبيق اتفاقية الهدنة والقرار 1701.