بعد خمسة أشهر و20 يوماً من الفراغ الرئاسي نجح مجلس النواب في توفير النصاب القانوني للالتئام والتصويت على التمديد “التقني” للمجالس البلدية والاختيارية لمدّة أقصاها 31 أيار 2024. فتوى وفّرت ربط نزاع مع الحكومة للقيام بمسؤوليّاتها في أيّ وقت، وفق مصادر نيابية، لإجراء الانتخابات بعد توفير التمويل لها.
عامٌ كامل من التمديد الأوّل للبلديات لم يكن كافياً لدفع الحكومة والقوى السياسية إلى توفير مناخات تجديد الدم في بلديّات إمّا نخرها الفساد أو منحلّة أو تعصف الخلافات بين أعضائها أو مقصّرة إلى حدّ التواطؤ. حفلة تكاذب وشعبوية وتمريك متبادل أفظع ما فيها أنّها بشّرت بـ “تمديد” مبطّن للفراغ الرئاسي، والدليل هو الاصطفافات الحادّة التي طبعت المواقف من التأجيل الثاني للانتخابات البلدية.
القاسم المشترك الأبرز بين جلسة رئاسية لم تحصل وجلسة نيابية حصلت لتأجيل الانتخابات البلدية هو أنّ رئيس تكتّل لبنان القوي النائب جبران باسيل أكمل النصاب القانوني و”الميثاقي” لجلسة البلديّات، وحَجَبَه عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ولو توافر هذا النصاب لكان اليوم سليمان فرنجية، أو ربّما أيّ رئيس آخر، جالساً في قصر بعبدا.
يقول مصدر بارز لـ “أساس”: يرفض النائب باسيل انتخاب فرنجية بوصفه ابن المنظومة، لكنّه اليوم منح الغطاء صراحة لرؤساء بلدية كبار يأتمرون مباشرة من المنظومة
صحيح أنّ الحسابات البلدية تختلف عن تلك الرئاسية، لكنّ “التغطية المسيحية” لأيّ جلسة هي نفسها، وهي تأخذ أبعاداً سياسية أكثر حين يرتبط الأمر بالتكتّل المحسوب على الرئيس ميشال عون والنائب باسيل.
يقول مصدر بارز لـ “أساس”: “يرفض النائب باسيل انتخاب فرنجية بوصفه ابن المنظومة، لكنّه اليوم منح الغطاء صراحة لرؤساء بلدية كبار يأتمرون مباشرة من المنظومة، وبعضهم تحوم حوله شبهات فساد، والبعض الآخر يستعدّ لتوريث “البيزنس البلدي” ضمن العائلة. لكنّ الأهمّ أنّ باسيل قفز فوق أولويّة انتخاب رئيس الجمهورية باتّجاه إقرار قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية تحت حجّة منع الفراغ. والأهمّ أنّ القانون يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية عليه تماماً كما وقّع الرئيس عون التمديد الأوّل للبلديات في نيسان 2022 بحجّة تزامن الاستحقاق يومها مع الانتخابات البلدية”.
على الصعيد المسيحي، حتى لو كانت الشعبوية تطغى على مجمل مواقف رؤساء الأحزاب المسيحيين، بدا حزب الكتائب الأكثر تماهياً مع مساره بوصفه الحزب المسيحي الذي قاطع الجلسات التشريعية خلال فترة الفراغ الرئاسي بين 2014 و2016، وهو يستعدّ مع نواب آخرين لتقديم طعن بالتمديد للبلديات.
تقول أوساط متابعة لـ “أساس”: الآليّة نفسها التي حكمت توقيع المراسيم في ظلّ غياب رئيس الجمهورية ستُعتمد لناحية توقيع مجلس الوزراء وكالةً عن رئيس الجمهورية قانون التمديد للبلديات
أمّا بالنسبة لحزب القوات فإنّ الاعتراف بـ “غلطة” المشاركة في جلسات التشريع في تلك المرحلة لا يُخفّف من وطأة قرار عودته عن غلطته مستخدماً موقفه المستجدّ من التشريع في ظلّ الفراغ ضمن إطار حربه المفتوحة ضدّ التيار الوطني.
يبقى أنّ المسؤولية الكبرى اليوم، وفق مصدر وزاري، عن عدم إجراء الانتخابات البلدية تقع على عاتق الحكومة التي أدرجت على جدول أعمالها، بطلب من وزير الداخلية، قبل نحو ثلاثة أشهر بند تأمين تغطية النفقات المالية للانتخابات ولم تقرّه، وعلى عاتق الرئيس نجيب ميقاتي الذي رفض تأمين التمويل من حقوق السحب الخاصة .SDR وأخيراً، انتهى الأمر بوضع بند التمويل في أسفل جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بعد ظهر أمس كـ “ديكور” فقط بعدما قُضي أمر التمديد صباحاً في مجلس النواب.
وفيما يجد حزب القوات صعوبة حقيقية في إقناع المسيحيين أنفسهم وباقي القوى السياسية والرأي العامّ بدستورية تحوُّل مجلس النواب إلى هيئة تشريعية في مرحلة الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان الرئاسية، وبعدم دستورية انعقاد المجلس إلا لانتخاب الرئيس بوصفه هيئة ناخبة فقط بعد نهاية ولاية عون، فإنّ خيار رئيس التيار الوطني الحر في تأمين الغطاء لجلسة البلديات يُعرّضه لمساءلة حقيقية، ولا سيّما أنّ قانون التمديد يحتاج، كما كلّ القوانين، إلى توقيع رئيس الجمهورية الذي لم يُنتخب بعد.
في هذا السياق تقول أوساط متابعة لـ “أساس”: “الآليّة نفسها التي حكمت توقيع المراسيم في ظلّ غياب رئيس الجمهورية ستُعتمد لناحية توقيع مجلس الوزراء وكالةً عن رئيس الجمهورية قانون التمديد للبلديات من دون الأخذ بالطبع بمطلب باسيل توقيع الـ 24 وزيراً، خصوصاً أنّ المقاطعة الوزارية من جانب الفريق المحسوب عليه ما تزال مستمرّة ولأنّ التوقيع على المراسيم والقوانين لا يحتاج أصلاً إلى توقيع جميع الوزراء عليها”.