وسط تفاعل القراءات السياسية لمسار انفتاح دول عربية على النظام السوري، يبقى لبنان غائباً عن المشهد. هو أصلاً بحكم المراقب والمنتظر لتلقي التداعيات أو التفاعلات، علماً أنه معني بشكل مباشر بأي تطور يتعلق بالمسار السوري، سواء من البوابة السياسية والتأثير التاريخي لسوريا على الملف اللبناني، او من بوابة العلاقات المستمرة بين قوى لبنانية متعددة مع دمشق، أو من البوابة الأكثر أهمية، وهي ملف اللاجئين السوريين.
“الانتقال السياسي” مرفوض
حتى الآن لا تزال محاولات إعادة سوريا إلى الجامعة العربية متعثرة، بفعل معارضة عدد من الدول. بينما في المقابل، يقول رئيس النظام السوري بشار الأسد إنه غير معني بالعودة إلى الجامعة، لأنه يعلم أنها لن تقدم ولن تؤخر، وليس فيها أي فوائد أو مكتسبات. ويؤكد حرصه على العلاقات الثنائية. وهذا الكلام أبلغه الأسد صراحة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، وهو أيضاً ما تم إبلاغه للمسؤولين السعوديين.
ومما قاله الأسد أيضاً، أنه يهتم إلى حدود بعيدة بالعلاقة مع السعودية، وهي التي تغنيه عن دول أخرى أو عن الجامعة العربية. ومما تسرب أيضاً من المباحثات بين مسؤولين سوريين ومسؤولين عرب، يرد ما جرى التداول به في لقاء وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بوزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال زيارة الأول إلى القاهرة. إذ نقل المقداد رسالة واضحة من الأسد بأن سوريا ترفض البحث معها في مسألة الانتقال السياسي أو اتفاق جنيف أو القرار الدولي 2254. علماً أن القاهرة شددت على هذا الأمر وذكرته في البيان الختامي للزيارة.
وعلى الأرجح أن الموقف السوري نفسه تكرر مع المسؤولين السعوديين. إذ لم تظهر أي اشارة تتعلق بالقرار 2254 في البيان السعودي السوري، لا بل جرى الحديث عن حلّ سياسي للأزمة، بالإضافة إلى معالجة أزمة اللاجئين، وتوفير ظروف عودتهم بالإضافة إلى مكافحة تهريب المخدرات وضبط الحدود.
ملف اللاجئين
على وقع هذه التطورات، وفي ظل انشغال اللبنانيين بالتداعيات السياسية لمسار العلاقات العربية مع دمشق، وكيف يمكن لذلك أن ينعكس في الاستحقاقات المقبلة، وخصوصاً انتخاب رئيس للجمهورية في ضوء ترشيح سليمان فرنجية. فإن ما يغيب عن اللبنانيين هو مواكبة ما يجري إنطلاقاً من مقاربة ملف اللاجئين السوريين. هنا لا بد من الإشارة إلى أنه في السابق كان سليمان فرنجية واضحاً في موقف أعلنه من على منبر بكركي، بأنه الوحيد القادر على الوصول إلى حلّ بشأن ملف اللاجئين والسعي لإعادتهم إلى أراضيهم بالتنسيق مع سوريا، وإنطلاقاً من علاقته معها. يتعاطى فرنجية مع هذا الملف وكأنه في صلب برنامجه الانتخابي، وهو ملف ربما حضر في المباحثات الأخيرة التي جرت خلال اللقاء بين فرنجية والأسد الأسبوع الفائت، لا سيما في ضوء هذه التطورات الحاصلة على الخطّ العربي السوري.
ورقة لبنان
بمعزل عن عدم توجيه الدعوة إلى الأسد للمشاركة في الجامعة العربية، فإن الملف السوري سيكون مطروحاً بقوة في المباحثات، خصوصاً في ضوء البيانات التي صدرت عن القاهرة، الرياض وأبو ظبي، حول الوضع السوري ومعالجة ملف اللاجئين السوريين. وهذا ما يفرض على لبنان العمل على إعداد ورقة شاملة وكاملة لطرحها خلال اجتماع الجامعة العربية، كمدخل أساسي للبحث في العلاقات مع دمشق.
وهذا يفترض به أن يكون رداً عملانياً وامتحاناً أول لدمشق حول استعدادها للانتفاح على الحلّ، وتقديم التنازلات المطلوبة، وفتح الأبواب أمام عودة آمنة للاجئين إلى أراضيهم.
عملياً، يعيش لبنان انقساماً سياسياً حيال الملف السوري، وليس في البلد سياسة خارجية موحدة، لا سيما في ظل حماسة فريق لتطبيع العلاقات مقابل معارضة الفريق الآخر. ملف اللاجئين يمكن أن يشكل فرصة أولى لتكوين رؤية سياسية لبنانية حيال السياسة الخارجية، وآلية التعاطي مع دمشق، في مقابل أن تكون هذه السياسة مستندة على ضمانات عربية ودولية وكامتحان أول للأسد.