مجرّد صدور الدعوة إلى تلاقي القيادات المسيحية في بكركي “حماية للوجود المسيحي والشراكة المتناصفة ولأنّ الوقت ليس للتناحر السياسي” عن النائب جبران باسيل. كان كافياً لفشل مسعى جَمْع سمير جعجع وسامي الجميّل وسليمان فرنجية وباسيل والقوى المسيحية إلى طاولة البطريرك الراعي.
لا لقاء للقيادات المسيحية في بكركي لكثير من الأسباب. ليس أقلّها عدم منح جبران باسيل امتياز تحريك “الجبهة” المسيحية الحواريّة. وموقف بكركي الصارم بالركون فوراً إلى انتخاب رئيس الجمهورية بجلسات مفتوحة. وعدم تكريس “أعراف” ربط هذا الاستحقاق الدستوري بلقاءات حواريّة تسبقه (المقصود حوار مجلس النواب) حتى لو كان العنوان الأوسع هو “الوجود المسيحي”.
في الواقع، لا مانع لدى البطريرك الراعي من جمع القيادات المسيحية تحت كنف بكركي. فهو نفسه كان سعى إلى هذه المُهمّة الصعبة في نيسان العام الماضي بدعوتهم إلى التحاور من أجل حلّ أزمة الاستحقاق الرئاسي. وانتهى الأمر بتسجيل “إنجاز” جَمعِهم في خلوة مصالحة ورياضة روحية في بيت عنيا-حريصا. بحضور 53 نائباً مسيحياً وغياب 11 من بينهم سمير جعجع وسليمان فرنجية.
ثمّة عوائق حقيقية تقف بوجه بكركي راهناً: عدم القدرة على لمّ شمل القادة المسيحيين ولو للصورة. ورفض تكرار تجربة عامَي 1988 قبل انتهاء ولاية الرئيس الأسبق أمين الجميّل، و2007 بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود الثانية الممدّدة. حين قدّم البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير سلّة أسماء أُسقطت بداية بضربة “اتفاق الطائف” ثمّ “اتفاق الدوحة”. والأهمّ عجز بكركي عن إعلان حالة تمرّد مسيحية جامعة بوجه ما يصفه الراعي بـ “الإقصاء المبرمج للموارنة عن الحكم”.
يقول مطّلعون إنّ الراعي حَرِص على الثناء على دور “الخماسية” ومُهمّتها في تسهيل حصول توافق على رئيس الجمهورية
اللافت أنّ فريقاً من الذين يدعون بكركي إلى فكّ حالة الحصار عن المسيحيين وكسر ستاتيكو التفرّد الشيعي (عبر ثنائي حركة أمل والحزب) والسنّي (من خلال حكومة نجيب ميقاتي) في إدارة الدولة يُشكّك في قدرة البطريرك الراعي على لعب هذا الدور الوطني والمسيحي بسبب استراتيجية “صفر مشاكل” التي يتّبعها ضمناً في علاقاته مع مختلف القوى السياسية ومفاتيح القرار والتي لا يُرصَد عَكسَها إلا في عظات يوم الأحد!
تقول مصادر مسيحية مواكبة لحراك بكركي لـ “أساس”: “لا مانع لدى البطريرك الراعي من دعوة الأقطاب المسيحيين إلى اجتماع موسّع كما طلَب منه النائب باسيل علناً. وكما كان طلَبَ غيره سابقاً في اجتماعات خاصة داخل المؤسّسات البطريركية. خصوصاً أنّ الراعي افتتح حِبرِيَّتَه في نيسان عام 2012 بدعوة الأقطاب الموارنة الأربعة إلى الحوار. فحضروا على مدى جلستَين وتصدّر سلاح الحزب عناوين النقاش. ثمّ أُلّفت لجان للمتابعة بإشراف المطران سمير مظلوم…”.
تضيف المصادر: “اليوم يترَيّث الراعي بتجديد الدعوة وتوسيعها ليتفادى احتمال عدم تلبيتها كما فعل مثلاً رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع عام 2019”. عمليّاً، وَقف جعجع بشكل أساس أمام أيّ محاولة سابقة من بكركي أو مِن قبل قوى مسيحية وسياسية لعقد طاولة حوار في الصرح ونزولاً صوب مجلس النواب.
حراك صامت!
لكن ماذا عن الأحاديث المتزايدة عن وجود حراك صامت داخل أروقة البطريركية المارونية ولجان ناشطة وأوراق عمل. تحضيراً لإطلاق وثيقة بكركي أو تأمين الجهوزية المسيحية لاحتمال الدعوة إلى مؤتمر وطنيّ عامّ؟
تقول المصادر: “تتفاعَل حول بكركي كما ضمن مؤسّساتها حراكات متعدّدة من أطراف تدور في فلكِها كما أُخرى من صلبِها. تتمحور جميعها حول بلورة أفكار لمعالجة الواقع اللبناني المُنهار. ومنهُ، مثلاً لا حصراً، الفراغ في رئاسة الجمهورية. وتَصُبّ تلك الأفكار والتصوّرات لدى البطريرك الراعي الذي يُقوِّم كلّ فكرة فيُضيفها إلى عظاته ومداولاته. مُعدِّلاً أحياناً بعض الأفكار في ما قد يكون سبقَها من مواقفِه، أو يُقصيها لعدم اقتناعِه بها”.
تقول مصادر مسيحية مواكبة لحراك بكركي لـ “أساس”: لا مانع لدى البطريرك الراعي من دعوة الأقطاب المسيحيين إلى اجتماع موسّع كما طلَب منه النائب باسيل علناً
الخلاصة، توضح المصادر، “لا يوجد ورشة عمل واحدة في بكركي حول موضوع الفراغ في رئاسة الجمهورية أو موضوع آخر محدّد كما يوحي البعض. بل حراك بكلّ الاتّجاهات من ضِمن استمرار بكركي بلعب الدور الوطني الذي أعطِيَ لها حول كلّ المواضيع، ومنها الفراغ الرئاسي. ولو تراءى للبعض ما هو أبعد من ذلك”.
اللقاء مع “الخماسيّة”
على خطٍّ موازٍ، وضمن سياق روزنامة لقاءات محدّدة سلفاً، التقى سفراء اللجنة الخماسية البطريرك الراعي. الذي عكس موقفاً سلبياً واضحاً من فكرة الحوار في مجلس النواب برئاسة نبيه بري. “فلا تشاور ولا تحاور، وطبّقوا الدستور كما يحصل في رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة”.
يقول مطّلعون إنّ الراعي حَرِص على الثناء على دور “الخماسية” ومُهمّتها في تسهيل حصول توافق على رئيس الجمهورية. لكن “ليكن ذلك على مقاعد الهيئة العامّة وليس في صالون المجلس”.
كما جدّد البطريرك الراعي التأكيد أنّ بكركي “لا تروّج لمرشّح ولا تقبل أيضاً بإقصاء أيّ مرشّح”.