هل تربح إيران نتيجة عملية “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على غزة سلفاً؟ هناك دوافع كثيرة تقود إلى طرح هذا السؤال. خصوصاً في ضوء المواقف الإيرانية المتوالية، والتي تدوزنها طهران بين التهديد بالحرب الإقليمية، والاكتفاء بالإشارة إلى الدعم السياسي والإعلامي لحقوق الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، والتعبير عن عدم وجود نية لتوسيع جبهات الصراع.
على وقع هذه المواقف الإيرانية والتي رسم ملامحها وحدودها مرشد الجمهورية الإسلامية في اليوم الأول لحصول عملية طوفان الأقصى، بالقول إن إيران لم تكن على علم أو تنسيق بما جرى، وبالتالي حيّد إيران بشكل مباشر ورسمي عن الحدث، فيما بقيت طهران تلعب دور الراعي لكل ما يجري!
التهديد والردع
إلى جانب هذا التحييد الرسمي، إلا أن حلفاء إيران في المنطقة ينخرطون في الصراع، كل على طريقته. حزب الله من خلال العمليات التي ينفذها على الحدود بهدف إشغال الإسرائيليين وتخفيف الضغط عن غزة. أو الحوثيون الذين أطلقوا صواريخ أسقطها الأميركيون، أو بعض فصائل الحشد الشعبي في العراق باستهداف مواقع ومصالح أميركية. توازن طهران بين موقفين، الاستعداد للانخراط، أو البقاء في جانب الدعم المعنوي والسياسي.
في الموازاة، جاء خبر مجلس الأمن الدولي بإعفاء برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية من الحظر، ورفع عنه العقوبات. وهو ما ذهب كثيرون إلى ربطه بسياق الاستثمار الإيراني بما جرى في غزة أولاً، وباستعراض القوة ثانياً، وبعدم الإنخراط بالحرب وتوسيعها على كل الجبهات ثالثاً.. كجزء من الوصول إلى هذه النتيجة.
الأسلوب نفسه المعتمد مع إيران، تعتمده الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل مع حزب الله، من خلال تهديده لعدم الانخراط في الحرب، وعدم شن هجمات على اسرائيل، وإلا سيتم توجيه ضربات قاسية له وللبنان. تندرج هذه التهديدات في سياق الردع غير المجدي، خصوصاً أن حزب الله ينخرط بالحرب منذ اليوم الأول، وهو كان واضحاً في رفض الرضوخ لكل الضغوط الأميركية والإسرائيلية، مع علم أساسي لديه بعدم استعداد الأميركيين والإسرائيليين لفتح جبهة جديدة، أو الدخول في حرب ضده. لا يزال رهان الحزب وإيران على التعثر الإسرائيلي والصراع الداخلي في تل أبيب بين الجيش والحكومة، والموقف الأميركي برفض الاجتياح البرّي إلى قطاع غزة. وهذا إذا ما اقترن باستمرار عمل القنوات الخلفية والجهات الإقليمية في سبيل إطلاق سراح الرهائن، من شأنه أن يخفف حدة المعركة العسكرية والذهاب إلى تفاوض. وبمجرد وقف إطلاق النار، والذهاب إلى التفاوض، فإن إيران ستعلن الانتصار الذي كانت شريكة فعلية في صناعته، والأهم سيتم الارتكاز إلى التهديدات الإيرانية بفتح الجبهات كلها في حال حصل الاجتياح البري، بوصفها هي التي منعت حصول الاجتياح.
الأداء الغربي
وما يساعد إيران أكثر على الفوز في هذه المعركة، هو الأداء الأميركي والغربي. أولاً من خلال تبرئتها مما جرى، وثانياً من خلال المواقف العنصرية والتصعيدية التي تتخذ بحق الفلسطينيين والعرب وحركة حماس بالتحديد، بدءاً من كلام وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، الذي قال إنه يزور اسرائيل كيهودي، وصولاً إلى وصف حركة حماس بالإرهاب. وانتهاء بما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى اسرائيل، بأن حماس حركة إرهابية، داعياً التحالف الدولي لمحاربة داعش إلى محاربتها. وهذا من شأنه إعادة إحياء شياطين كثيرة كان العرب يحاولون تناسيها من الحملات الصليبية أو الإفرنجية، وصولاً إلى العدوان الثلاثي. هذا الاستنفار ضد حماس، والاستثارة التي تتحقق على لسان ماكرون وغيره من الأميركيين، لم تبرز أمام مقتلة استمرت لعشر سنوات في سوريا، والتي شهدت أكبر عملية تطهير وتهجير في العصر الحديث.
كل هذا الأداء، سيسهم في منح انتصار لإيران. وهذه المرّة ليس بالارتكاز إلى قوة شيعية مباشرة، إنما إلى قوة سنّية متمثلة بحركة حماس، تعاطفت معها الشعوب العربية، فيما كانت القوى الشيعية من حزب الله إلى الحشد الشعبي إلى إيران قوات مساندة. وهذا ما يسارع الحزب إلى معرفة كيفية استثماره في لبنان، بإدخال قوات الفجر والجماعة الإسلامية إلى الميدان، بالإضافة إلى سرايا المقاومة، وحركتي حماس والجهاد، ربطاً بمواقف سياسية تشير إلى تجاوز مرحلة “الفتنة السنية الشيعية”.
الكسب الإيراني
كل المسارات التي اعتمدتها طهران في السابق، أسهمت في تكريس فوزها بالمنطقة، منذ حرب تموز في العام 2006 والتي جاءت بعد فترة من حرب اسرائيلية على قطاع غزة. فبعدها تعزز موضع إيران في المنطقة، من فلسطين إلى لبنان. في كل مرة يعتبر العالم فيها أن إيران قامت بارتكابات من شأنها أن تستدعي ردود فعل دولية تسهم في إضعافها يتبين العكس، كما كان الحال في سوريا مع استخدام السلاح الكيماوي، والذي تعزز دور طهران بعده، بناء على صفقة الخطوط الحمر المطاطة لباراك أوباما وصولاً إلى اتفاق عام 2015.
حتى بعد قيام إيران بضرب أرامكو وأهداف أخرى في المملكة العربية السعودية، ظن العالم أن طهران التي هددت “النفط العالمي” بمعناه الإستراتيجي ستدفع الثمن، لكنها عادت وحققت المزيد من المكاسب السياسية في المنطقة، والتي على ما يبدو أنها ستستمر لفترة طويلة، في ظل ما تقتضيه مصلحة الغرب من جهة، وعدم بلورة مشروع عربي واضح المعالم سياسياً لا اقتصادياً فقط، من جهة أخرى.