يتضح أن حزب الله قد نجح في تكتيكه العسكري الجديد، الذي يتبعه في الجنوب منذ أيام. فالحزب يعمل على تكثيف عملياته العسكرية والنوعية ضد المواقع الإسرائيلية، مقابل تجنّب سقوط أي خسائر بشرية له. بخلاف ما كان عليه الوضع سابقاً.
منسوب العمليات
عسكرياً، قد يكون هناك تفسيرات كثيرة لذلك، من بينها إطلاق الحزب لصواريخ متوسطة المدى، لا تقتضي من مقاتليه التقدم بطريقة “استشهادية” إلى الشريط الحدودي لتنفيذ العمليات. أيضاً، لم يعد تصعيد الحزب خافياً، فيما لا تظهر الردود الإسرائيلية منذ أسبوع إلى اليوم بأنها متكافئة مع ضربات الحزب.. وصولاً إلى رفع منسوب العمليات اليومية من قبله، والتي أصبحت تتخطى 13 عملية، مع اعتماد أسلوب استهداف الموقع نفسه مرتين أو أكثر، وبصواريخ نوعية من طراز بركان. وقد وصلت هذه العمليات إلى حدّ التدمير الكامل لثكنة برانيت العسكرية. وهي مقر قيادة الجليل في الجيش الإسرائيلي. هذه الضربة لا بد لها أن تكرس المزيد من تغيير في قواعد الاشتباك، وسط تعرض إسرائيل لضغوط كثيرة، عسكرياً بفعل ضربات الحزب، وسياسياً بفعل الخلافات الداخلية والضغوط الأميركية لمنع التصعيد.
تهديد كياني
أمام هذه الوقائع، أصبح هناك تهديد كياني عميق يواجهه الإسرائيليون، سواء في قطاع غزة بنتيجة الاستشراس في المواجهة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية، أو في لبنان حيث لن يكون الإسرائيليون قادرين على التعامل مع حزب الله في ظل عملياته التصاعدية، والتي تدفع سكان المستوطنات إلى عدم العودة إلى المناطق الشمالية.
كل هذا يجعل من الصعب توقع كيفية إيجاد حل سياسي أو ديبلوماسي لهذا “المأزق” والتهديد، فيما يستكمل الإسرائيليون عملياتهم العسكرية في قطاع غزة، من دون أي وجهة واضحة للأهداف العسكرية، ومن دون أي مؤشرات حول تحقيقها هدف “كسر حركة حماس” أو إنهائها.
على وقع استمرار عمل الماكينة العسكرية الإسرائيلية، يبقى السؤال حول إمكانية دخول قوى المقاومة على خط الصراع أكثر، أو بالأحرى اتخاذ إيران قراراً واضحاً بخوض الحرب لمناصرة غزة، بخلاف المواقف التي يطلقها وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، حول تفاعل الجبهات واتساعها بقرارات منفردة تتخذها قوى المقاومة في المنطقة. وهذا يؤشر إلى أن إيران لا تريد الانخراط في الصراع، إنما حلفاؤها سيستمرون بعمليات الإشغال والضغط، بينما تستكمل إسرائيل عملياتها العسكرية، من دون تعديل بموازين القوى على المستوى الإقليمي، حتى الآن.
حدود لبنان
يتركز البحث حول كيفية إيجاد مكسب لإسرائيل تسميه انتصاراً، ربما من دون كسر حماس عسكرياً او إلغائها. كما أن هذا المكسب-الانتصار لا يسمح لها بالانعطاف نحو الشمال وخوض حرب في لبنان رداً على عمليات حزب الله، إنما يتم العمل على إيجاد الصيغ الملائمة لإعادة سكان المستوطنات الشمالية.
من دون تبلور مثل هذه الصيغة، قد تستمر حالة الاستنزاف العسكري. وأكثر التحديات التي تواجه الإسرائيليين هي كيفية التعامل مع حزب الله وما يمثله من تهديدات. فالبديل عن الحرب الواسعة سيكون على الأرجح بمفاوضات سياسية على مستوى دولي كبير، تفضي إلى إنتاج اتفاق يمتص الغضب الإسرائيلي، بترتيبات أو خطط جديدة تضمن الأمن والاستقرار، طالما أن لا أحد يرغب في توسيع أفق الصراع والذهاب إلى حرب واسعة.