لم تكن التسريبات الإسرائيلية حيال إزالة حزب الله لإحدى خيمتيه اللتين نصبهما، وعمل على تثبيتهما وتعزيزهما بالمقاتلين داخل الاراضي المحتلة، بالأمر الصحيح. كل المعطيات والوقائع على الأرض تنفي الرواية الإسرائيلية. إذ أن الخيمتين لا تزالان في موقعيهما على الرغم من كل التهديدات الإسرائيلية، ومن كل الوساطات التي عملت على خط السعي لإزالتهما تجنبّاً للتصعيد.
فشل المحاولات الإسرائيلية في إزالة الخيمتين من شأنه أن يدفع تل أبيب للبحث عن إشاحة النظر عن التطورات في تلك المنطقة، وصرف الاهتمام عنها بملفات أخرى، قد يكون من بينها التصعيد في جنين.
تبليط البحر
بعد فشل الوساطات العربية والدولية ومن قبل الأمم المتحدة، اضطرت إسرائيل للجوء إلى اللعبة الإعلامية، بالقول إن الحزب عمل على إزالة إحدى الخيمتين. وذلك في محاولة للإدعاء بتحقيق شبه انتصار معنوي. خصوصاً بعد كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الذي توجه للإسرائيليين بالقول: “روحوا بلطوا البحر”. وهو موقف من شأنه إحراج الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية هناك. ولكن بعيداً عن كل هذه التفاصيل التي أصبحت يومية، لا بد من النظر إلى ما هو أبعد من ذلك، على طول الحدود الجنوبية.
فبعد المناورات العسكرية الضخمة التي عمل حزب الله على إجرائها سابقاً في منطقة عرمتى، وكان التركيز فيها على فكرة “العبور”، بالإضافة إلى ظهور أسلحة تقنية تتعلق بإسقاط الطائرات المسيرة وغيرها.. فإن الحزب عمد على تحقيق النقطتين، الأولى، إسقاط مسيرة إسرائيلية الأسبوع الفائت لإثبات فعالية السلاح الذي بحوزته. علماً أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من تفجير تلك المسيرّة، ما يمنح الحزب فرصة للسيطرة على المعلومات بداخلها. والنقطة الثانية، هي فكرة العبور من خلال تجاوز الشريط الشائك والخط الأزرق ونصب الخيم في الأراضي المحتلة، التي يعتبرها الإسرائيليون خاضعة لسيادتهم، فيما يطالب اللبنانيون باسترجاعها.
مقاربات جديدة للصراع
هذا المسار في تحقيق النقطتين، لا بد له أن يكون مرتبطاً بأبعاد أخرى، لا تتصل فقط بالتصعيد في الداخل الفلسطيني، وبلجوء الإسرائيليين إلى البحث عن معارك من شأنها أن تحافظ على وجود حكومة بنيامين نتنياهو في ظل كل الصراعات التي تعيشها والأزمات التي تعانيها. إنما لا بد من التفكير بطريقة مختلفة تتصل بما يمكن أن يحصل في المرحلة المقبلة. وهذا أيضاً يتجاوز حدود الرد الصاورخي من لبنان باتجاه الأراضي المحتلة، على غرار ما كان يحصل سابقاً. تبدو التطورات والتي تسير بوتيرة بطيئة نسبياً في تلك المنطقة، تنطوي على مقاربات جديدة للصراع واعتماد آليات غير تقليدية. ولكن المؤشرات تفيد بأنه لا بد من أن يكون هناك استكمال لما قد بدأ.
من هنا، لا بد من توقع المزيد من التحركات النوعية في تلك المنطقة، خصوصاً أن حزب الله يصرّ على التقدم أكثر في مزارع شبعا، وذلك في سبيل تثبيت وقائع ميدانية وجغرافية، للتأكيد على لبنانية المزارع في أي فترة يتم فيها فتح النقاش حول ترسيم الحدود البرية. وما يمكن توقعه هو احتمالان. الأول، في حال استمر الحرص على الاستقرار والهدوء على طول تلك الجبهة، فإن الخيم ستبقى في مكانها، بالإضافة إلى حصول المزيد من التحركات الشعبية لاختراق الخط الأزرق والمطالبة بتحرير تلك المناطق. أما الاحتمال الثاني، في حال كان الاتجاه نحو المزيد من التصعيد، حينها لا بد من توقع قيام الحزب بعمليات أمنية غير تقليدية، قد تتصل في تعميق هذا الاختراق داخل المزارع أو تلال كفرشوبا.
في كلا الحالتين لا بد من انتظار رد الفعل الإسرائيلي، الذي على ما يبدو أنه سيكون مطوقاً بالمزيد من الحرج.