في ظل استمرار البحث عن كيفية تجنب التصعيد العسكري في جنوب لبنان بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، برز اقتراح في تل أبيب حول هدنة لمدة 48 ساعة. في حال نجحت، يمكن التأسيس عليها. أما في حال فشلت ولم يلتزم بها حزب الله، تعمل اسرائيل على زيادة ضرباتها العسكرية في الجنوب وتدمير العديد من القرى.
الحرب وكلامها
يأتي هذا الاقتراح بالتزامن مع إيصال إسرائيل للمزيد من الرسائل الديبلوماسية للبنان، بأنها مستعدة لتوسيع الحرب. وأنه في حال لم يلتزم حزب الله بهذه الهدنة وعمل على تنفيذ عمليات ضد المواقع الإسرائيلية، فإنها ستتخذ من ذلك ذريعة لتوسيع المواجهات، التي قد تتحول إلى حرب برّية.
هناك رسالة أخرى تلقاها لبنان أيضاً بأن اسرائيل اتخذت قرار الحرب ولن تتراجع عنه، فيما بعض التسريبات تتحدث عن أن المهلة التي منحتها اسرائيل للمفاوضات التي تخوضها أميركا للوصول الى حلّ هي نهاية الشهر الحالي.
في المقابل، هناك مصادر أخرى تفيد بأن المهلة الإسرائيلية تم تمديدها حتى نهاية شهر شباط.
بالنسبة إلى لبنان وحزب الله، فإن هذا التصعيد الإسرائيلي هو كلامي فقط، ويشبه التهديدات التي أطلقت قبل ترسيم الحدود البرية. الحزب يعتبر أن إسرائيل عاجزة عن الدخول في حرب واسعة ولن تفتح على نفسها جبهتين. لذلك تلجأ إلى تنفيذ عمليات اغتيال واستهداف مواقع وكوادر للحزب، بالإضافة الى استهداف قادة في الحرس الثوري الإيراني، للتعويض عن أي عملية عسكرية.
يبدو حزب الله مرتاحاً لجهة عدم قدرة اسرائيل على شن حرب باتجاه لبنان، ليس فقط بسبب قدرة الحزب على إلحاق خسائر كبيرة بالإسرائيليين، إنما أيضاً لأنه أوصل رسائل واضحة بأن المعركة لن تقتصر على الجبهة اللبنانية، وسيتم فتح جبهات كثيرة، وسينخرط بالقتال الكثير من فصائل محور المقاومة.
إيران ووحدة الساحات
قبل أيام، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات يهدد فيها إيران بشكل مباشر، ويحملها مسؤولية التوترات التي تشهدها المنطقة ككل، وليس في قطاع غزة فقط. يسعى نتنياهو إلى إعادة تشكيل رأي عام دولي ضد الإيرانيين، ويحملهم مسؤولية كل ما يجري من حروب وصراعات. هو يستخدم بذلك أسلوباً كان قد اعتمده سابقاً خلال ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، من خلال تحريضه على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران. لكن أوباما لم يستجب وكانت حساباته مختلفة، معززاً مسار التفاهم والاتفاق مع طهران. يعود نتنياهو إلى السياسة نفسها مع إدارة بايدن، مستفيداً من الحرب التي يخوضها في قطاع غزة وفي محاولة منه لتوسيع الجبهات.
عملياً، شعار وحدة الجبهات رفعه الإيرانيون سابقاً. وحاولوا العمل على تطبيقه بشكل رمزي مع بداية طوفان الأقصى. لكن نتنياهو أكثر من يتحمس لتوسيع الجبهات لاستدراج الأميركيين إلى الحرب بجانبه. لذلك غيرت إيران من استراتيجيتها، انتقالاً من الحرب الواسعة أو المفتوحة إلى جبهات المشاغلة فقط. لكن تل أبيب تواصل توجيه الضربات ضد إيران في أكثر من جبهة. بعد سلسلة ضربات ضد أهداف إيرانية، قال قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني، إن ايران لن تستدرج إلى حرب تريدها إسرائيل، ما يعني أن طهران لن ترد بطريقة تساوي الضربة الإسرائيلية كي لا تقع الحرب.
تواصل إسرائيل عملياتها واستهدافاتها. فهي تسعى لتوريط الإيرانيين بأي طريقة، وهي تريد من وراء ذلك استدراج أميركا الى جانبها في أي حرب ستحصل، لذلك لا تكف تل أبيب عن توجيه الضربات أو الاستهدافات لشخصيات إيرانية كبرى في سوريا. بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لاستفزاز حزب الله منذ اغتيال صالح العاروري، أو قبله نجل النائب محمد رعد، أو بعده من خلال اغتيال القيادي وسام طويل.
وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن الإسرائيليين سيستمرون بهذا المسار إما لتحقيق أهداف أو لاستدراج طهران إلى حرب وتوجيه ضربة لها بالاستناد إلى توريط الأميركيين. في هذا السياق، تأتي ضربة الإسرائيليين القوية للإيرانيين في قلب دمشق، كمحاولة استفزاز جديدة لطهران، على وقع استمرار الاستفزازات ضد حزب الله في جنوب لبنان أيضاً، والإكثار من التصريحات الإسرائيلية حول الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية بحال لم يتم الوصول إلى اتفاق. وعلى الرغم من تكثيف المساعي الدولية والديبلوماسية لمنع حدوث هذه الحرب.