أن يصل الجنون الإسرائيلي الى حدّ تهديد أحد الوزراء باللجوء إلى استخدام قنبلة نووية في قطاع غزة، فإن ذلك يظهر حجم المأزق العسكري والسياسي لدى الإسرائيليين. وهو ما يؤكد أن المعركة العسكرية، والبرية خصوصاً، التي يخوضها الإسرائيليون، هي معركة بلا أي أفق.. وسط تكوّن قناعات كثيرة، بأنه لا حل عسكرياً في غزة، ولن يكون هناك قدرة على الاستمرار بهذه الحرب لفترة طويلة، أولاً لصعوبة ذلك، وثانياً لحجم الخسائر التي سيتكبدها الإسرائيليون والتي لن يتحملها المجتمع الإسرائيلي، وثالثاً لأن هناك غزة فوق الأرض وغزة أخرى تحتها، ولا يمكن تدمير الإثنتين. رابعاً، وضع الإسرائيليون أهدافاً غير قابلة للتطبيق، وهي سحق حماس وإخراجها من القطاع، فيما لا مكان يخرج إليه الفلسطينيون الذين يقاتلون على أرضهم. وهو أصلاً ما لا يوافقون عليه هم، ولا حلفاؤهم ولا الدول العربية.
أمد الحرب
يتجلى الجنون الإسرائيلي في ظل ضيق الأفق الذي يعانيه الإسرائيليون جيشاً وحكومة، حتى تبلغ قناعة الغالبية منهم ومع الإدارة الأميركية في ضرورة تنحي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والذي من مصلحته إطالة الحرب لأسباب شخصية، فيما لن يكون من مصلحة إسرائيل إطالتها، لما سيرتد ذلك سلباً وعكسياً عليها، أولاً بنتيجة المجازر الكبرى، وثانياً بنتيجة عدم تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة.
يتعمّق المأزق الإسرائيلي كلما طال أمد الحرب، فيما تحاول تل أبيب أن تظهر نفسها وكأنها تتعرض لهجوم من جهات متعددة، فتسعى إلى استدراج قوى أخرى إلى الحرب. ووضع الأميركيين أمام الأمر الواقع للدفاع عنها والانخراط معها في القتال.
المساعي العربية
يأتي ذلك، في ظل استمرار المساعي الإقليمية والدولية للبحث عن هدنة إنسانية. وهذا أيضاً ما تقوم عليه المساعي العربية في التفاوض مع الأميركيين، وصولاً إلى الدعوة لعقد قمة عربية في الحادي عشر من تشرين الثاني.
تتركز المبادرة العربية على هدنة إنسانية. وحسب المعلومات، فإن الحديث حولها بلغ مراحل جدية مع الأميركيين، فيما يبقى السؤال عن توقيتها، وتفاصيل ما تتضمنه، حول إطلاق سراح رهائن، وما هو المقابل لغزة. إذ من بين الأفكار هو إدخال مساعدات إنسانية وغذائية وطبية، وفتح ممر آمن للأجانب، ويفترض بهذه الهدنة أن تؤسس لمفاوضات من نوع آخر. في هذا الإطار، ستتزايد الضغوط على الإسرائيليين دولياً وإقليمياً، وفي حال نجحت وأنزلت تل أبيب عن الشجرة العالية، يمكن أن تستعيض عمليات التدمير الممنهج والتجزير في سبيل التهجير، بالانتقال إلى محاولة تنفيذ عمليات اغتيال بحق قيادات في حماس، فتنسب لنفسها تحقيق أهداف عسكرية.
المساعي الإسرائيلية
في موازاة المساعي لتكريس الهدنة، لا تزال اسرائيل تحاول استفزاز حزب الله كما غيره لتوسيع نطاق الجبهة. وهي بذلك تستدعي وقوفاً أميركياً عسكرياً إلى جانبها. فالحرب الإقليمية وتصعيد الجبهات من قبل محور الممانعة سيؤدي إلى تعزيز أوراق اسرائيل وإعادة اعتبارها في خانة “المعتدى عليها” من قبل أكثر من طرف، كما أنه سيجعل الصراع إقليمياً بين إيران واسرائيل، ما سيؤدي إلى إضعاف موقف حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وتحويل الأنظار عن دفاعهم عن وجودهم وبقائهم، لصالح اتهامهم بانخراطهم في صراع إقليمي. وهذا بالضبط ما تنبه له أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حين لم يعلن الانخراط في الحرب، وأبقى حماس في موضع الدفاع عن النفس والصراع في سبيل قضيتها الفلسطينية. وبذلك حقق ثلاث نقاط، أولها حماية لبنان، وثانيها حماية بنيته والإبقاء عليها، وثالثها نزع أي ذريعة للإسرائيليين للاستمرار في المجازر، وبالتالي زيادة منسوب الضغوط عليها.