يدخل لبنان مرحلة جديدة من مسار العلاقات مع دمشق. البوابة هذه المرة ملف اللاجئين السوريين، والذي لطالما كان دافعاً في سبيل إعادة العلاقات بين البلدين. محاولات كثيرة جرت سابقاً على خط فتح العلاقة وزيارات أجراها مسؤولون ووزراء، تشكلت بعدها لجان للعمل على إعادة اللاجئين. وكلها لم تصل إلى أي نتيجة، وسط تضارب في الأسباب المعلنة. فالمؤيدون لدمشق يعتبرون أن السبب في عدم تحقيق نتائج جدية على خط إعادة اللاجئين هو “الحصار” الغربي على سوريا. أما المعارضون، فيعتبرون أن دمشق هي التي تضع العصي في الدواليب لعدم إعادة اللاجئين. وهنا، يعتبر بعض المعارضين أن النظام لا يريد عودتهم، فيما آخرون يعتبرون أنه يريد استخدام مسألة عودتهم في سياق البحث عن إعادة تعويم نفسه، دولياً وعربياً، وإعادة تطبيع العلاقات الدولية معه.
مسار جديد؟
منذ عملية طوفان الأقصى، تتخذ دمشق مواقف متمايزة عن قوى محور الممانعة. أبدى حزب الله تفهماً لذلك بنتيجة الضغوط الكبيرة. ولكن في موازاة هذا التمايز دخلت قنوات كثيرة على الخطّ، في محاولة لتعزيز هذا التمايز تحت شعار “سعي دمشق لتعزيز علاقاتها عربياً وغربياً بالابتعاد عن إيران أو بالعمل مع الإيرانيين على إجراء عمليات انسحاب وإعادة تموضع”. حالياً، تتلقى دمشق بالتزامن مع لبنان دعوة لحضور القمة العربية في البحرين. إذ أجرى وزير الخارجية البحريني زيارة إلى لبنان وسوريا، بعد سنوات من الغياب، لتوجيه دعوات المشاركة في القمة العربية.
هذا مسار جديد، سيعتبر لبنان أنه يقف فيه على تقاطع مع الدول العربية، في السعي إلى إعادة تعزيز علاقاته مع سوريا، انطلاقاً من ملف اللاجئين. في زيارته الأخيرة إلى باريس، تحدث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول ضرورة إعادة التواصل والتنسيق مع دمشق، لمساعدة لبنان في ملف اللاجئين والتخفف من أعبائهم، ولمنع تسربهم من لبنان إلى أوروبا.
تقول المعلومات إن هناك تواصلاً على المستوى الأمني في هذه الصدد. كما أن هناك دولاً من أوروبا الشرقية تدفع باتجاه إعادة العلاقات الأوروبية مع سوريا.
أفكار تدرسها أوروبا
خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، فاتحه رئيس مجلس النواب نبيه برّي بضرورة تغيير موقف فرنسا وألمانيا ودول الإتحاد الأوروبي من سوريا، وضرورة إعادة التنسيق معها واستعادة العلاقات، في سبيل مساعدة لبنان لمعالجة ملف اللاجئين، والذي تنظر إليه أوروبا كخطر داهم عليها. المواقف نفسها تكررت لدى زيارة الرئيس القبرصي إلى بيروت، وستتكرر مع زيارته المقبلة إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية، حيث سيتركز البحث في ملف اللاجئين.
صحيح أن بعض الدول الأوروبية تدرس أفكاراً تتصل في العمل على ايجاد مناطق آمنة في سوريا لإعادة اللاجئين إليها، وسط تضارب إذا كان ذلك تمهيداً لإعادة العلاقات أم حصرها بهذا الشق.
تأتي المواقف اللبنانية على تقاطعات إقليمية ودولية حول الملف السوري، بين من يشير إلى مفاوضات، تارة مباشرة وطوراً غير مباشرة، بين دمشق وواشنطن في سلطنة عمان، وبين “المسار” العربي حول إبعاد النظام السوري عن إيران واستعادة علاقته العربية، ربطاً بزيادة منسوب الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، والتي دفعت إلى انسحابات وإعادة تموضع.
إنها المرة الأولى لبنانياً التي تتقاطع فيها القوى المعارضة لدمشق مع القوى الموالية لها، انطلاقاً من ملف اللاجئين، وضرورة إعادتهم، ولو اقتضى ذلك التنسيق مع النظام. جاء ذلك بعد حادثة اختطاف باسكال سليمان وموقف القوات اللبنانية الضاغط في ملف اللاجئين من جهة، بالإضافة إلى التنسيق الأمني والعسكري اللبناني السوري الذي حصل، في سبيل إلقاء القبض على المتورطين بعملية الاختطاف.