في ظلّ “الكربجة” الرئاسية الكاملة وانتقال الخلاف على الملفّ الرئاسي من أروقة عين التينة والبيّاضة ومعراب والضاحية إلى أروقة نيويورك وطاولة اللجنة الخماسية، تَنشط في المقابل السيناريوهات المواكِبة لاستحقاق إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد في كانون الثاني المقبل في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية العام.
في هذا الإطار توافرت معطيات لـ “أساس” عن وجود إصرار أميركي عبّر عنه أكثر من مسؤول في بيروت وواشنطن على عدم ترك قيادة الجيش رهن الفراغ أو ترك التراتبية تلعب دورها بتسلّم الضابط الأعلى رتبة كما حصل في الأمن العامّ.
يقول مصدر مطّلع لــ “أساس” إنّ “واشنطن لطالما أعطت اهتماماً استثنائياً للجيش أكثر من رئاسة الجمهورية. وهي معنيّة مباشرة، في حال استمرار الفراغ الرئاسي، ببقاء العماد جوزف عون في موقعه في قيادة الجيش أكثر منها مهتمّة بإيصاله إلى رئاسة الجمهورية. وبالمعنى نفسه ستواكب عن كثب اختيار قائد الجيش الجديد بمعزل عن موافقتها أو عدم رضاها عن رئيس الجمهورية المقبل”.
الترجمة العمليّة
لكن ما هي الترجمة العملية لهذا “الأمر” الأميركي؟
يمكن رصد الأجوبة على ثلاثة مستويات:
1- حكومياً مسكّرة، إذ تؤكّد أوساط قريبة من السراي لـ “أساس” أن لا توجّه في المدى القريب لإقرار أيّ نوع من التعيينات، خصوصاً مع الحديث المتكرّر عن احتمال أقلّه تعيين رئيس أركان يتولّى مهامّ قائد الجيش عند إحالته إلى التقاعد. ومع أنّ اسم الضابط المقترَح لرئاسة الأركان (درزي)، وهو قائد اللواء 11 العميد حسّان عودة، متّفَق عليه بين قائد الجيش والنائب السابق وليد جنبلاط، لكنّ أجواء السراي لا تعكس حتى الآن وجود نيّة بكسر المحظور والدخول في “ورشة” التعيينات حتى لو بشكل محدود.
يقول مصدر مطّلع لــ “أساس” إنّ “واشنطن لطالما أعطت اهتماماً استثنائياً للجيش أكثر من رئاسة الجمهورية
2- على مستوى وزير الدفاع موريس سليم ما يزال التوجّه ثابتاً، وفق مصادره، على عدم توقيع الأخير على قرار استدعاء رئيس الأركان السابق اللواء أمين العرم من الاحتياط أو توقيع قرار التمديد لقائد الجيش كما مُدّد سابقاً للعماد جان قهوجي، أو رفع اقتراح لاسم ضابط لتعيينه رئيساً للأركان. وهو رفض أيضاً توقيع قرار ترقية منسّق الحكومة لدى “اليونيفيل” العميد منير شحادة لرتبة لواء. في هذا السياق يُسجّل تكرار النائب أديب عبد المسيح تحذيره في تغريدة نشرها أمس من “الفراغ على رأس القوى الأمنيّة والجيش”، طالباً “معالجة فراغ رئاسة الأركان والمجلس العسكري فوراً كي لا نندم”.
3- تعكس مصادر مطّلعة جدّية في مقاربة القانونين اللذين تقدّم بهما النائب بلال عبدالله وينصّان على التمديد سنتين للقوى الأمنيّة والعسكرية والتمديد أربع سنوات لموظّفي الفئات الأولى والثانية والثالثة في الإدارة العامّة في ظلّ الفراغات الكبيرة في الجسم الإداري. لكن حتى الآن لا مؤشّرات إلى جلسة تشريعية قريبة ولا مباحثات تُذكر بين القوى السياسية في الكواليس حول التمديد بقانون الذي لا يمانعه الثنائي الشيعي وقد يَدخُله النائب جبران باسيل من زاوية البازار والمقايضات المفتوحة في زمن الرئاسة، ولا سيّما أنّ عدداً من المحسوبين على باسيل في الجيش والإدارة العامّة سيستفيدون من إقرارهما. يقول مصدر نيابي لـ”أساس”: “حتى الآن لم يتمّ وضع القانونين على جدول أعمال اللجان، وتقديمهما بصيغة معجّل مكرّر يحتاج إلى جلسة تشريعية لم تحدّد بعد”.
المفارقة أنّه في زمن “التسكير” على التمديد أُقرّ من دون ضجّة و”عالسكت” التمديد لضابط خلافاً لواقع ضبّاط كبار اصطدموا بحسابات سياسية أعاقت بقاءهم في مواقعهم بعد إحالتهم إلى التقاعد. فقد علِم “أساس” أنّ لجنة الاعتراضات الصحّية مدّدت مجدّداً البتّ في وضع الاعتلال للمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري لمدّة تتجاوز آب 2024.
تعكس مصادر مطّلعة جدّية في مقاربة القانونين اللذين تقدّم بهما النائب بلال عبدالله وينصّان على التمديد سنتين للقوى الأمنيّة والعسكرية والتمديد أربع سنوات لموظّفي الفئات الأولى والثانية والثالثة في الإدارة العامّة في ظلّ الفراغات الكبيرة في الجسم الإداري
مفارقة البيسري
البيسري الذي أعدّت اللجنة محضراً أجاز التمديد له ثلاثة أشهر في المرّة الأولى في كانون الأول 2022 لبتّ وضع الاعتلال حين كان ما يزال اللواء عباس إبراهيم مديراً عامّاً للأمن العام، ثمّ مدّدت له مرّة ثانية مع إحالة الأخير إلى التقاعد ستّة أشهر من آذار حتى آب 2023، عادت والتأمت ومدّدت له في وضع الاعتلال للمرّة الثالثة لمدّة تتجاوز السنة منعاً لإحالته إلى التقاعد.
بعد ترقيته إلى رتبة لواء في 26 أيار الماضي كان يجب أن يغادر المديرية العامة للأمن العام نهائياً بعدما بلغ السنّ القانونية لرتبة لواء، أي 59 عاماً، لكنّ “الأمر السياسي” استغلّ مرّة أخرى نصّ المادة 55 من قانون الدفاع ليتيح التمديد للبيسري.
مفارقات عدّة تحكم هذا التمديد المُقنّع:
– هو تمديد يتجاوز بمدّته الزمنية استحقاق قيادة الجيش في 10 كانون الثاني الذي ما يزال رهن التكهّنات والسيناريوهات المتضاربة.
– صلاحية التمديد تتجاوز أيضاً تاريخ إحالة المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان إلى التقاعد في أيار 2024، ويكتنف الغموض مسار التسليم والتسلّم في المديرية التي ضرب الشغور مجلس القيادة فيها تماماً كما المجلس العسكري في قيادة الجيش.
– التداول، بإسم اللواء البيسري في سوق الترشيحات الرئاسية.
– التمديد للبيسري تحت عنوان الاعتلال ما يزال مراعياً للمدّة القانونية القصوى لبتّه، وهي سنتان، وبالتالي لا إمكانية للاعتراض عليه.