بين تدمير عدشيت وإحراق كريات شمونة… وبين قلق إسرائيل من القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي في سجنه، والإطلالة التلفزيونية المفاجئة لزوجة البغدادي، بعد 4 أعوام ونيّف على تصفية زوجها أمير “داعش”. هل أُنجزت فعلاً صفقة إيران مع أميركا؟ وهل باتت الأولى الوكيلة الحصرية لسياسات واشنطن ونفوذها في المنطقة؟ بل العكس تماماً، يجيب دبلوماسيون غربيون في بيروت. فطهران اليوم تلملم خسائرها وتحدُّ من انهياراتها. وهذه جردة بهذه وتلك.
هي ثنائية فعّالة جداً، ولو غير منسّقة مسبقاً، بين حركتين: هجوم عسكري أميركي، واستيعاب دبلوماسي وسياسي سعودي. وهو ما جعل إيران في مأزق مكتوم كامنٍ لكن معروف، في المنطقة كلّها.
بهذا المنطق يستعرض الدبلوماسيون المتابعون ملفّات البلدان الخاضعة للنفوذ الإيراني، ويكشفون تطوّراتها المخفيّة:
الحوثي يحاصر… إيران؟
في البحر الأحمر، ”انتهى فعليّاً استعراض الحوثي. لم يعد يجد له أيّ حيّز جدّي في الإعلام العربي أو الدولي. فورة أسعار ورسوم التصعيد الأوّل خفتت بل خمدت. الأمور هناك لا تعود إلى طبيعتها وحسب. بل تكاد تنقلب ضدّ الإيراني. المتضرّرون من تحرّشات الحوثي باتوا الصين أوّلاً ومصر ثانياً. لذلك ضغطت بكين في مجلس الأمن، وصولاً إلى تصدّرها المسوّقين للقرار الأممي بصدّ قرصنة الحوثيين. فيما مصر تردّ بالضغط على “حماس” للتوصّل إلى تسوية”.
أكثر من ذلك، يضيف الدبلوماسيون: “يكاد البحر الأحمر يتحوّل سلاحاً في المعركة ضدّ إيران نفسها. حتى إنّ البعض بات يهمس بنظريّة مؤامرة. من نوع أنّ بعض الأحداث المعلن عنها أخيراً، إنّما هي مفبركة من قبل أميركا وإسرائيل. ذلك أنّ معظم السفن المستهدفة بعد سلسلة الضربات الأميركية للحوثيين، هي صينية أو روسية أو من دول أخرى قريبة من طهران. ومنها ما يحمل موادّ مستوردة إلى إيران، أو مصدّرة من روسيا…. أي أنّ الطرف الغربي أصبح هو من يفرض الحصار. وهو من يستغلّ إعلام الحوثي بالشكل المعاكس… فالحصار حالياً صار أميركياً إسرائيلياً. ولم يعد حوثيّاً”.
بعد سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لمسؤولين عسكريين وأمنيّين إيرانيين في سوريا، خرجت صحيفة “جمهوري إسلامي” باتّهامات لجهات روسيّة وسورية بتسريب معلوماتٍ ساعدت على الاستهداف
التقارب الحوثي السعودي
هذا فيما كانت السعودية تعيد التواصل مع الوفد الحوثي المفاوض، بعد توقّف منذ أيلول الماضي. وتُظهر محمد عبد السلام، كبير المفاوضين الحوثيين، معلناً أنّ السعوديين “إخوة” و”أشقّاء”.
في العراق، وعلاوة على تراجع حكومة بغداد حليفة إيران، وانسحاب وكلائها كلّياً، يتوقّف الدبلوماسيون عند مؤشّرين اثنين أعقبا تصفية واشنطن أبرز مسؤول عراقي تابع لإيران، أبي باقر الساعدي:
– أوّلاً، عجز مجلس النواب في العراق عن إكمال نصابه القانوني لمناقشة انسحاب القوات الأميركية من العراق. إذ لم يحضر جلسة مقرّرة لذلك قبل أسبوع، إلا 105 نواب من أصل 329 نائباً. وهو ما يشي بأنّ رفض إملاءات أذرع إيران هناك بات يتخطّى السُّنّة والكرد العراقيين ليبلغ شيعة العراق القريبين من إيران نفسها. وهو ما يُعدّ من نتائج الهجوم الأميركي.
– ثانياً، حديث عن بدء التحضيرات للانتخابات العراقية في الخريف المقبل، مع كلام عن إمكان عودة الرئيس السابق مصطفى الكاظمي بالتحالف مع الزعيم السنّي محمد الحلبوسي. وطبعاً في ظلّ تنسيق حتمي مع إربيل ومع مقتدى الصدر… وهو ما قد يكون نتاج الحركة السعودية الاستيعابية.
سوريا: إيران تتهم النظام وروسيا
يصل الدبلوماسيون إلى سوريا، حيث يقولون إنّ أموراً كثيرة وخطيرة تحصل وتتطوّر. ويسارعون إلى التأكيد أن لا ضرورة للتحليل هنا. إذ يكفي استعراض الوقائع المسجّلة والموثّقة:
1- بعد سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لمسؤولين عسكريين وأمنيّين إيرانيين في سوريا، خرجت صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية باتّهامات لجهات روسيّة وسورية بتسريب معلوماتٍ ساعدت على استهداف المسؤولين الإيرانيين.
لكنّ المفاجأة كانت باعتقال النظام السوري “قيادياً في الميليشيات الإيرانية يدعى م. ح. ونحو 56 من عناصره. إضافة إلى اعتقال 37 من عناصر المسلّحين المحلّيين الموالين للميليشيات الإيرانية. وذلك بتهمة إعطاء معلومات وإحداثيات للضربات الجوّية الأميركية التي استهدفت 28 موقعاً للميليشيات الإيرانية في دير الزور وريفها”…
هل هي حرب تجسّس متبادل؟ أم مجرّد تراشق اتّهامات؟
أيّاً كانت الحقيقة، يظلّ الخبر مؤشّراً إلى أمر عميق يحصل بين النظامين والجيشين القائمين على أرض واحدة.
ينقل الدبلوماسيون عن جهات قريبة من النظام في دمشق أنّ وفوداً سعودية عدّة جاءت إلى سوريا بلا إعلام
2- تزامن ذلك مع انسحاب إيراني جزئي من بعض المواقع في سوريا، في ظلّ معلومات دبلوماسية عن رفض سوريا اقتراحاً من إيران بحلول عناصر من الحزب مكان المنسحبين. هذا إضافة إلى معلومات عن انتشار وحدات من الفرقة الرابعة محلّ المنسحبين الإيرانيين. وفي نقاط تمهّد للإمساك بالغلاف الحدودي بين سوريا ولبنان.
انفتاح سعودي جديد على الأسد
3- في المقابل كانت السفارة السورية في الرياض تفتح أبوابها، بعد ترميمها من قبل رجال أعمال متبرّعين سوريين مقيمين في السعودية. وبالتالي من المفترضين معارضين لنظام دمشق. لكنّهم بادروا إلى ذلك بتشجيع من سلطات المملكة.
4- هذا بينما كان ملفّ الحجّ ينتقل، إدارةً وتنسيقاً وتنفيذاً، للمرّة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، ليحطّ ضمن العلاقات الرسمية بين سلطات سوريا والسعودية.
5- أكثر من ذلك، ينقل الدبلوماسيون أنفسهم عن جهات قريبة من النظام في دمشق أنّ وفوداً سعودية عدّة جاءت إلى سوريا بلا إعلام. أحدها مثلاً جاء لتسلّم لائحة من الأشخاص، بالأسماء التي حدّدتها السلطات السعودية، لمطلوبين في ملفّات تهريب الكبتاغون، فيما كانت وتيرة كشف السعودية لعمليات التهريب ترتفع.
يكاد البحر الأحمر يتحوّل سلاحاً في المعركة ضدّ إيران نفسها. حتى إنّ البعض بات يهمس بنظريّة مؤامرة. من نوع أنّ بعض الأحداث المعلن عنها أخيراً، إنّما هي مفبركة
6- وفد سعودي آخر جاء من الرياض مستطلعاً بدقّة وبالوقائع حقيقة الاستثمارات الإيرانية في سوريا. وهو التقى لهذا الغرض بالهيئة المعنيّة بهذا الشأن، والمرتبطة مباشرة بالسيّدة أسماء الأسد زوجة الرئيس بشّار الأسد. وحصل منها على الأجوبة الشافية. خصوصاً لجهة عدم تسجيل أيّ خطوة إيرانية في القطاع الخلوي في سوريا، وبقاء “الترخيص الثالث” المُعطى مجرّد حبر على ورق.
إضافة إلى سيل لا ينتهي من الحيثيّات التي ينقلها هؤلاء عن الجهات القريبة من النظام، تأكيداً على التقارب السوري العربي، وإن من دون التدليل على الابتعاد السوري .عن إيران. إن لجهة مراسيم العفو الصادرة، أو مراسيم تنظيم الخدمة العسكرية، وصولاً إلى مراسيم تجارية وعقارية أخرى.
هذا كلّه يفسّر كلام السفير الإيراني في سوريا، كردّ فعلٍ أو دحضٍ لواقعٍ أو مكابرة أو إنكار… أو حتى كنذيرٍ بمشكلة قد تتفاقم وقد تصير معلنة. إذ يقول عن نظام بلاده في سوريا: “إنّ وجودنا قويّ هنا. ولن ننسحب أبداً”!
وصولاً إلى لبنان… هنا يغزر الكلام أيضاً. وهو ما يقتضي متابعة منفصلة ومفصّلة… غداً.