ألقى سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام، محاضرة أمس، بدعوة من جمعية «المقاصد الإسلامية»، تناول فيها اتفاق الطائف، والخلل الذي رافق تطبيقه وممارسته. ويشغل سلام حالياً منصب قاض في المحكمة الجنائية الدولية. وتأتي أهمية كلامه في هذا الوقت من كون اسمه بين الأسماء المتداولة إعلامياً لتولي منصب رئاسة الحكومة المقبلة، في إطار ما يتردد عن «صفقة» تشمل موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
أكد سلام في محاضرته أنه يعتبر اتفاق الطائف «الأساس الذي يرتكز إليه السلم الأهلي في لبنان»، مذكراً بأهمية العمل على تنفيذ أحكامه التي لم تنفذ بعد، وعلى تصحيح ما شوّه منها عند التطبيق، وسد الثغرات التي ظهرت عند الممارسة.
ومن بين ما اقترحه من تصحيح للقرارات التي اتخذت بعكس ما نص عليه «الطائف، دعا سلام إلى إعادة صلاحية تفسير الدستور إلى المجلس الدستوري، بحسب ما نص عليه الاتفاق، ما سوف يعزز من شرعية هذا العمل؛ سنداً لقرينة حيادية هذا المجلس وطبيعته القضائية، بينما إبقاء صلاحية تفسير الدستور (خلافاً للطائف) لدى مجلس النواب ينطوي على خطر تعريض أي تفسير قد يقدم عليه هذا المجلس للانتقاد، بحجة أنه تفسير وضع لخدمة المصالح السياسية للأغلبية البرلمانية.
ويضيف سلام في مجال عرضه للثغرات التي ظهرت خلال تطبيق اتفاق الطائف، ضرورة تحديد إطار زمني لبدء الاستشارات النيابية أو لتكليف رئيس حكومة جديد في حال حدوث ما يستلزم ذلك، مثل استقالة رئيس الحكومة أو أي «حالات» أخرى «تعتبر الحكومة مستقيلة» بموجبها. كما أن الدستور لا يفرض مهلة على الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة. ولذلك يدعو إلى تحديد مهل واضحة لسد هذه الثغرات، مقترحاً اللجوء إلى مجلس النواب لتحكيمه في أي خلاف يمكن أن يحصل بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
كما يدعو إلى إعادة توازن الصلاحيات بين الحكومة ومجلس النواب (السلطتين التنفيذية والتشريعية)، بعد أن أصبحت تميل لمصلحة مجلس النواب، وذلك بإزالة لائحة الشروط المطلوب توفّرها لإمكان حل مجلس النواب واستبدالها بتشديد القيود الخاصة بظروف الحل وتوقيته؛ كمنع اللجوء مثلاً إلى هذا الخيار خلال السنة الأولى من ولاية المجلس.
ويؤكد سلام أن الإصلاحات المالية والاقتصادية المطلوبة يصعب أن تعطي ثمارها ما لم تترافق مع إصلاحات سياسية طال انتظارها، وتعزيز دور المؤسسات الدستورية، وإعادة اتفاق الطائف إلى مساره الصحيح؛ لوضع لبنان على طريق بناء الدولة الحديثة، القادرة على فرض استقلاليّتها عن الطوائف، وتكوين حيّز خاص بها. وليس المقصود هنا دولة تُقام في وجه الطوائف من جهة، ولا دولة تقوم على تسامح الطوائف تجاهها من جهة أخرى، بل دولة قادرة على احتواء الطوائف من ضمنها، وعلى تجاوزها في آن.