شهد الصرح البطريركي في بكركي الثلاثاء الفائت حدثاً هو الأول بهذا الوضوح من خارج صندوق الثنائية المسيحية (قوات – تيار) منذ توقيع اتفاق معراب.
ما يزيد عن 40 شخصية مسيحية سياسية واكاديمية واقتصادية زارت البطريرك بشارة الراعي بهدف كسر حالة الاستثئار في الساحة المسيحية مطلقة على نفسها اسم”مستقلون من أجل لبنان”.
أعضاء الوفد نقلوا عن البطريرك الراعي ترحيبه بأيّ مبادرة أو حراك لإغناء التعدّدية السياسية، ليس في الساحة المسيحية وحسب بل على مستوى الوطن بأكمله مؤكّدين أنّ البطريرك يمثل قيادة وطنية وضمانة للحفاظ على الكيان.
مساحة للنُخب المسيحيّة
الوزير والنائب السابق عبدالله فرحات* من أبرز مؤسّسي هذا اللقاء شرح لـ”أساس” خلفيّة التوقيت والهدف: “نعتبر أنّ انتخاب رئيس الجمهورية هو هدف استراتيجي بغضّ النظر عن الاسم. ولا بدّ من السعي الحثيث لانتخاب الرئيس خدمةً للصيغة اللبنانية. حضور الجلسات واجب دستوري. فاللبنانيون بحاجة إلى استقرار سياسي حقيقي يؤدّي إلى استقرار اقتصادي. من واجب النواب حضور الجلسات وتأمين النصاب بغضّ النظر عن الاسم المطروح”.
وتابع: “هدفنا تكوين مساحة للنخب المسيحية القادرة على التعبير عن نفسها وإيصال صوتها. نسعى إلى خلق ديناميكية جديدة في الساحة المسيحية عبر إيصال الصوت وعدم حصر القرار المسيحي بترتيبات حزبية، هي أقرب إلى الحالات الإقطاعية منها إلى الأحزاب”.
رأى فرحات أنّ مرحلة الأحزاب فشلت في الساحة المسيحية وفقاً للنتائج التي وصلنا إليها، وقال: أرقام الانتخابات النيابية الأخيرة واضحة: نصف المسيحيين لم يصوّتوا تعبيراً عن رفض التركيبات الحزبية القائمة
وأضاف: “الطرفان يختصران القرار المسيحي جاعلَين الآخرين في الداخل والخارج يعتقدون أنّهما الصوت المسيحي. بينما هناك أصوات أخرى على الساحة المسيحية تطالب بانتخاب رئيس أيّاً كان الاسم. نحن غير ملتزمين بأيّ اسم، ولا يهمّنا أيّ اسم. همّنا الحفاظ على الدستور والحفاظ على مؤسسات الدولة. انهيار الدولة والذهاب إلى المجهول هما ضدّ مصلحة المسيحيين”.
حالة أفقيّة متنوّعة
شكّك جبران باسيل في مَن يخرج من التيار، فيما تجمّعكم الجديد يضمّ نواباً ووزراء سابقين من التيار. عن هذه المسألة قال فرحات لـ”أساس”: “تجمُّعنا يضمّ أبناء عائلات كبيرة شاركت في صنع تاريخ لبنان الحديث، وقدّمت الكثير من الخدمات الإنسانية. وفي أيّامها كان لبنان سويسرا الشرق. تجمُّعنا يضمّ نخباً ومفكّرين ومثقّفين، ويمثّل مجموعات شعبية تنصت لرأيهم. نحن حالة متنوّعة وحالة ليست عمودية هيكلية إنّما أفقية. نحن متساوون جميعاً ونشكّل انعكاساً لمجتمع ديمقراطي مثقّف قادر على تقرير مصيره”.
رأى فرحات أنّ مرحلة الأحزاب فشلت في الساحة المسيحية وفقاً للنتائج التي وصلنا إليها، وقال: “أرقام الانتخابات النيابية الأخيرة واضحة: نصف المسيحيين لم يصوّتوا تعبيراً عن رفض التركيبات الحزبية القائمة. نحن نعمل على إشراك العائلات السياسية مع نخب جديدة أكاديمية واقتصادية لخلق خيار جديد في الساحة المسيحية”.
لسنا حملة انتخابيّة
رفض الوزير السابق عبد الله فرحات التهم التي وُجّهت إلى التجمّع بأنّه منصّة لأحد المرشّحين للرئاسة وأنّ إشارة فرنسية حرّكت الجميع، قائلاً لـ”أساس”: “كلّ هذه التهم مردودة وباطلة. نحن لا ندعم أحداً للرئاسة. نحن ندعم إجراء الانتخابات الرئاسية. لا علاقة لنا بسليمان فرنجية ولا بقائد الجيش. نحن نحترم كلّ المرشّحين. مطلبنا هو تأمين النصاب لإجراء هذه الانتخابات التي نراها ضمانة للمسيحيين. تحرُّكنا ليس حملة انتخابية لأحد وليس لدينا مرشّح من التجمّع. نحن لم يصلنا أيّ كلام فرنسي، وسمعنا الجوّ الخارجي ماذا يريد. هو يريد صوتاً مجتمعياً غير متمحور ولا تسيّره المصالح السياسية”.
وصف فرحات لقائهم البطريرك الراعي بالمثمر: “نحن نعتبر البطريرك قائداً وطنياً، والبطريركية المارونية ساهمت في صنع مجد لبنان عبر إعلان دولة لبنان الكبير، ثمّ في استقلال 43 وفي حلّ أزمة 1958”.
أولويّات ثلاث
وقال: “كما زرنا البطريرك الماروني سنزور كلّ المراجع الروحية الإسلامية والمسيحية لنطالب ونضغط من أجل انتخاب رئيس للجمهورية أيّاً يكن الاسم، فالفراغ قاتل”.
حدّد عبد الله فرحات المهمّات المطلوبة من الرئيس المفترض انتخابه: “أمام رئيس الجمهورية ثلاث أولويات:
1- إخراج المواطن اللبناني من حالة العوز والفقر بعدما باتت الحالة الإنسانية يرثى لها، وذلك عبر معالجة مسألتَي سعر صرف الليرة وودائع الناس في المصارف، وإطلاق عملية الإنتاج.
2- إقامة حوار وطني بين المكوّنات للوصول إلى حدّ أدنى من التفاهم، وتسيير الدولة. الرئيس مطالَب بتدوير الزوايا وإقامة حوار بالعمق بين اللبنانيين.
3- معالجة ملف النازحين السوريين معالجة منطقية عادلة تحفظ لبنان وموارده ووحدته”.
وتابع: “فوق هذه الأولويات الثلاث سيكون على الرئيس المقبل مصالحة لبنان مع محيطه العربي، وتحديداً الخليجي، انطلاقاً من التمسّك باتفاق الطائف الذي يؤكّد هويّة لبنان العربية. أنا من أصحاب المقولة: لبنان مع العرب إذا اتّفقوا، وعلى الحياد إذا اختلفوا. نحن لا يمكننا أن نعيش من دون محيطنا العربي، وخارج التضامن العربي، وخاصةً مع الخليج، وتحديداً المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي. نحن امتداد إنساني وثقافي واقتصادي لهذه الدول ولا يمكننا العيش من دونهم، ونحن قادرون على أن نقدّم لهم قيمة مضافة في مجالات معيّنة”.
ختم عبد الله فرحات حديثه لـ”أساس” بتوجيه رسالة للوزير جبران باسيل والدكتور سمير جعجع قال فيها: “أناشدكم أن تقدّموا المصلحة الوطنية والمسيحية على مصالحكم الخاصة، وأن تخرجوا من صراعاتكم الممتدّة من سنة 1988 حتى اليوم والتي أدّت إلى هجرة مئات الآلاف من المسيحيين واللبنانيين. لقد تعب لبنان وأُرهق اللبنانيون من الصراعات الخاصة. علينا جميعاً أن نتصارح دفاعاً عن الوطن ومن أجل الوطن وليس من أجل مصالح ضيّقة فردية”.
*من هو عبد الله فيكتور فرحات؟
ولد في بلدة حمانا في 4 تشرين الأول سنة 1964، درس في مدرسة الحكمة في بيروت، انتسب بعدها إلى جامعة القديس يوسف، ونال إجازة في الحقوق سنة 1986، ثم دكتوراه في الحقوق سنة 1994.
انتخب نائباً عن قضاءي بعبدا – عاليه في دورتي سنة 2000 و2005.
عين وزيراً لشؤون المهجرين، في نيسان سنة 2003، في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لكنه استقال سنة 2004 عشية التمديد للرئيس إميل لحود.