بات واضحاً لغالبية القوى السياسية أن الضغط الخارجي يدفع إلى عقد جلسة قريبة لانتخاب رئيس للجمهورية. وهو ما يقرّ به خصوم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لتبرير استعجالهم عقد اتفاق بين معارضيه على مرشح في وجهه يحملون اسمه إلى ساحة النجمة. وأكدت مصادر ثلاثة أطراف من حلفاء السعودية أن هؤلاء سمعوا كلاماً مباشراً من السفير السعودي وليد البخاري والسفيرة الأميركية دوروثي شيا بأنه «ممنوع أن يعطّل أحد عملية انتخاب الرئيس، وأن عدم تأمين النصاب سيُعتبر تعطيلاُ للديموقراطية، وأن العواصم المعنية بملف لبنان، عربياً وغربياً، ستفرض عقوبات على كل من يفعل ذلك».
وبحسب معنيين بالاتصالات الجارية، تبدو القوات اللبنانية الطرف الأكثر توتراً جراء هذه «التعليمات» لأسباب عدة أهمها:
– تهديد رئيس حزب القوات سمير جعجع علناً، وأكثر من مرة، بتعطيل نصاب جلسة انتخاب الرئيس إذا كانت ستفضي إلى فوز فرنجية.
– أشهر جعجع مراراً عدم جدوى الحوار مع التيار الوطني الحر واتهامه الدائم لرئيسه النائب جبران باسيل بأنه جزء من «الممانعة».
– بذل معراب مساعي لدى معارضي فرنجية، ومن بينهم التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، للتوافق على مرشح يواجه حزب الله.
أما في ما يتعلق بالتيار الوطني الحر، فقد أكّد باسيل في اتصالات يجريها مع أطراف سياسية أنه لا يجد حرجاً في الاتفاق على مرشّح مع القوات وبقية القوى، مذكّراً بأنه هو من طرح ذلك أساساً واقترح على البطريرك الماروني بشارة الراعي فكرة التوصل إلى هذا الاتفاق. إلا أن باسيل يشدّد على أن أي مرشح يتم التوافق عليه لا ينبغي أن يكون مستفزاً لثنائي أمل – حزب الله أو مرفوضاً منه، والأفضل ترشيح شخصية لا يمكن للثنائي رفضها.
وعلمت «الأخبار» أنه في ضوء اضطرار القوات للتراجع عن لاءاتها، وتقدم التيار الوطني خطوة نحو الاتفاق معها، تولى رئيس حزب الكتائب سامي الجميل إدارة جانب أساسي من الاتصالات مع جعجع وباسيل وفريق النائب تيمور جنبلاط، وأن الحصيلة الأولية أثمرت تفاهماً مبدئياً على إسقاط مبدأ مقاطعة التيار الوطني الحر، والاتفاق على حصر المعركة بمنع وصول فرنجية إلى القصر الجمهوري. وقالت مصادر مطلعة إن الجميل نجح في إقناع جعجع بدرس لائحة تضم ثلاثة أسماء يوافق عليها التيار الوطني الحر، تضم زياد بارود وجهاد أزعور وصلاح حنين.
وبحسب المصادر، فإن الجميّل يركّز على تسويق أزعور انطلاقاً من حماسة باسيل له، ولكونه يحظى أساساً بدعم من البطريرك الماروني بشارة الراعي وتأييد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وكذلك بدعم سعودي ومن أوساط نافذة في واشنطن وباريس. كما أن في «رصيده» فتحه قنوات تواصل مع حزب الله وعدم إشهار الحزب فيتو ضده، كما أن الرئيس نبيه بري قد يفضله على الآخرين.
معراب الأكثر توتراً تتراجع عن لاءاتها وباسيل مصرّ على عدم استفزاز حزب الله
وبمعزل عن مآل هذه الجهود، المُعطى السعودي الجديد بأن لا فيتو على أي مرشح، وخصوصاً على سليمان فرنجية، دفع معارضي الأخير إلى حراك مكثّف للاتفاق على مرشح في وجهه. لكن المشكلة بحسب متابعي الاتصالات، تكمن في استمرار شكوك القوات اللبنانية «حيال ما يريده باسيل في نهاية الأمر». وقال متصلون بقيادة القوات إن الأخيرة تقرأ الموقف من زاوية أن باسيل سار في الحوار لتحقيق مكسب أولي، يتمثل في إجبار القوى المعارضة التي كانت ترفض محاورته، على البحث عن آلية توافق معه، بحكم أن التوافق على رفض فرنجية فقط لا يكفي وأن هناك حاجة إلى توافق على مرشح في وجهه. وأضافت أن باسيل استفاد من الموقف السعودي ونجح في كسر حاجز المعارضة التي كانت تفكر وحدها في مرشح خصم لفرنجية.
وبحسب المصادر، فإن مصدر شكوك القوات أن باسيل بعد تلقّيه موافقة معراب على السير بأزعور، وبدل السير بالاتفاق سريعاً، طلب مهلة لتسويقه لدى بقية الأطراف. وأضاف المتصلون بقيادة القوات أن رئيس التيار الوطني الحر «لا يريد الاتفاق بقدر ما يريد صيغة توافق لاستخدامها في التفاوض مع حزب الله. إذ إنه لم يكتف بالحصول على مرشح لا يستفزّ حزب الله، بل قال إنه في حال تم التوافق على اسم من بين ثلاثة، سيعرضه على الحزب لنيل موافقته».
وأشار قريبون من القوات إلى أن باسيل عرض اسمي جهاد أزعور وصلاح حنين بحكم أن السير بأحدهما قد يساعد في جذب كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة النائب تيمور جنبلاط. وقال هؤلاء إن «القوات نقلت رسالة إلى التيار عبر نائبها فادي كرم الذي يتولى عملية التفاوض مع النائب جورج عطالله بأنها مستعدة لأن تسير بهذه الأسماء، بما فيها أزعور».
وعلى ضفة نواب «التغيير»، لا تبدو الصورة لدى هؤلاء واضحة تماماً. وقال بعضهم إن الحراك الرئاسي الخارجي ترافق مع حراك داخلي تُرجِمَ بلقاءات ثنائية وغير ثنائية بين نواب «الكتلة السنية» ونواب «تغييريين» وكتائبيين وسواهم من القوى المعارضة. وأوضح هؤلاء أن «الثابت الوحيد في الاتصالات لا يزال رفض فرنجية. إلا أنّ أيّ خرقٍ لم يحدث»، لافتين إلى أن لائحة الأسماء تشمل أيضاً زياد بارود ونعمت افرام وقائد الجيش جوزيف عون.